السؤال
أنا فتاة عشت طوال حياتي بدار رعاية الأيتام، لأني مجهولة النسب، ومنذ مدة أردت أن أعرف أصولي فذهبت وتحريت فتعرفت على أمي وهي تعيش في مدينة بعيدة جدا عن مدينتي التي أقطن بها، المهم أنني لم أستطع أن أحبها وبصراحة حاولت في البداية لكن دون جدوى، وهي تريدني أن أعيش معها لكن ندمت جدا لأني بحثت عنها فقاطعتها وعدت إلى نقطة البداية كأني لم أتعرف عليها، ولا أتواصل معها ولا أحبها ولا أحب أبناءها أيضا. هل أحاسب أمام ربي على هذا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب عليك هو أن تصلي أمك وأن تقومي بحقها عليك من البر والإحسان, فإن حق الأم عظيم, وقد بينا ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 58835,96490, 65064.
ولا يسقط حق الأم على ولدها حتى وإن كانت كافرة, ولا يجوز لولدها هجرها أو عقوقها حتى وإن أتت به من سفاح لأن السفاح لا ينافي الأمومة. قال القرافي رحمه الله: الزنا لا ينافي الأمومة. انتهى. وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 103139.
فالواجب عليك هو أن تتقي الله سبحانه، وتؤدي حقها عليك من البر والصلة والإحسان, وجاهدي نفسك أن تكتمي ما تجدين من مشاعر البغض لها، فإن كتمت ذلك وتكلفت الإحسان إليها ظاهرا فلن يضرك -إن شاء الله- ما تجدين في نفسك من نفور منها.
أما ما تطلبه منك من البقاء معها فالظاهر أنه يجب عليك طاعتها في ذلك, فقد نص العلماء على أن طاعة الوالدين واجبة في المباحات حتى وإن كانت شاقة على الولد, ما لم يترتب عليها ضرر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا.انتهى.
ولا شك أن طلبها لإقامتك معها ناشىء عن شفقة ورحمة وفيه مصلحة لكليكما, فوجب عليك طاعتها في ذلك إن كان طلبها على جهة الحتم ولم يترتب على ذلك ضرر بالغ بك.
أما إن كانت إقامتك معها ستلحق بك ضررا، فلا تلزمك حينئذ طاعتها فاعتذري لها عن ذلك بما يطيب قلبها ويجبر خاطرها، واعلمي أن سكن الفتاة بمفردها جائز بشرطين:
الأول: أن تكون بالغة رشيدة مأمونة.
الثاني: أن يكون مكان الإقامة آمنا, وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 73650.
وتوفر هذين الشرطين في هذا الزمن من أعسر ما يكون، فقل أن يسلم الساكن بمفرده من الوقوع في الحرام أو التعرض له، ولو كان رجلا كبيرا فما بالك إذا كانت الساكنة فتاة.
والله أعلم.