السؤال
أنا أصوم أيام النوافل، وبيني وبين أخ لي في الإسلام شحناء، مع العلم أنه هو الذي أخطأ في حقي، ونصحته كثيرا بأن لا يغضبني بهذه الطريقة، فلم يستجب لي، فاعتزمت البعد عنه، وأنا الآن بعيد عنه. فهل يتقبل الله مني صيام النوافل؟ لأن هناك حديثا يقول: ترفع الأعمال إلى الله يومي الإثنين والخميس إلا اثنين بينهما شحناء . وماذا لو أخطأت في هذه الأيام فمثلا لو تكلمت في حق فلان، ثم تذكرت أني صائم فاستغفرت الله فهل بهذا قد بطل صيامي ولا يجوز لي تكملة اليوم؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. متفق عليه.
ولمعرفة الأحوال التي يجوز هجر المسلم فيها فوق ثلاث، راجع الفتوى رقم: 7119. وانظر أيضا الفتوى رقم: 25074
وأما الحديث الذي أشرت إليه في السؤال فهو كما في صحيح مسلم: تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا.
قال في تحفة الأحوذي: (أنظروا) أي: أمهلوا؛ أي: لا تعطوا منها أنصباء هذين المتهاجرين المتعاديين وأخروا مغفرتهما من ذنوبهما مطلقا زجرا لهما، أو من ذنب الهجران فقط.
(حتى يصطلحا) أي: يتصالحا ويزول عنهما الشحناء، فلا يفيد التصالح للسمعة والرياء. والظاهر أن مغفرة كل واحد متوقفة على صفائه وزوال عداوته، سواء صفا صاحبه أم لا.
وقال ابن عبد البر في التمهيد: وفيه أن الذنوب إذا كانت بين العباد فوقعت بينهم فيها المغفرة والتجاوز والعفو سقطت المطالبة بها من قبل الله عز وجل. ألا ترى إلى قوله (حتى يصطلحا) فإذا اصطلحا غفر لهما ذلك وغيره من صغائر ذنوبهما بأعمال البر من الطهارة والصلاة والصيام والصدقة.
فالذي يفيده الحديث أن الشحناء سبب لتأخير مغفرة الذنوب، لا أن الأعمال لا تقبل.
وعلى ذلك فصومك صحيح، بمعنى أنه يجزئ ولا تطالب بإعادته. أما تقبل الله له فهو راجع إليه سبحانه، وإذا كان صومك ابتغاء مرضاته، فسيقبله إن شاء الله. وانظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 47069.
ونهيب بك وبأخيك وبسائر المسلمين أن يصلحوا ذات بينهم؛ فإن إصلاح ذات البين أفضل من نوافل العبادات.
روى أبو داود والترمذي وأحمد عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا: بلى. قال: صلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة. صححه الترمذي والألباني.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين. رواه البزار والبيهقي، وحسنه الألباني.
وأما اغتياب الآخرين فهو من كبائر الذنوب، ويزداد قبحه أثناء الصيام، وينقص أجره، إلا أنه لا يبطله عند جماهير العلماء، وانظر الفتوى رقم: 98340
والله أعلم.