السؤال
أنا أم خالد متزوجة من ابن عمتي وعشت أنا وهو في ظروف صعبة، وبعد سنوات تحسنت حياتي وأصبح زوجي تاجر ذهب كبير، وبعد ذلك دخلت على حياتي امرأة ـ رغما عني ـ وتزوج منها ودخلت على منزلي وأثاثي بالكامل، وذهبت وأولادي الستة إلى بيت إخوتى، مع العلم بأن الأولاد أعمارهم تتراوح من ثلاث عشرة سنة إلى ثلاثة شهور، ولمدة خمس عشرة سنة بدون نفقة ولست مطلقة منه، مع العلم بأنه أعطاني ذهبي برضاه وقمت بصرفه على أولادي ولم يكفني ذلك، فقام إخوتي بمساعدتي، وبعد أن كبر أولادي ذهبوا إلى أبيهم مستغيثين به وطلبوا منه منزلا يؤويهم، فلبى طلبهم واشترى لي ولأولادي ـ فيلا ـ من دورين وأحضر لي أثاثي القديم ولم ينفق علي وعلى أولادي حتى توفي ـ الله يرحمه ويسامحه ويجعل مثواه الجنة ـ وعلما بأنه يصرف على زوجته الثانية وأولاده، وبعد وفاته ترك تركة تقدر بخمسة ملايين دينار ليبى وكل شيء باسمه، ووزعت التركة حسب الشريعة الإسلامية وتبقى مبلغ وقدره مائة ألف دينار ـ نصيبنا من التركة ـ أنا وأولادي ووعدت زوجته الثانية بسداده بعد بيع نصيبها من الأرض، مع العلم بأن ابني قد ساعدها بأن ترك لها مبلغا من المال من نصيبنا وترك لها سيارات ورصيدا في المصرف برضى منى ومن أولادي لمساعدتها، وعندما باعت الأرض طلبنا منها تسديد الدين الذي عليها، فاخترعت لنا قصة بأنه كان لديها ذهب وقد قام زوجي بصرفه، وليس لديها دليل يثبت صحة كلامها وليس لدينا ـ أنا أم خالد وأبنائي ـ دليلا، علما بأن المرحوم قد باع لها ذهبها ولم تطالب به من البداية عند تقسيم التركة، وأخذت قصة الذهب حجة لكي لا تسدد المبلغ، مع العلم بأن ليس لديها شهود على أن زوجي باع ذهبها ووعدها بإرجاعه، أريد فتوى في هذا الأمر، وهل يعتبر الذهب دينا علينا تسديده من التركة بدون أن يكون لديها شاهد على صحة بيع الذهب من عدمه. الرجاء الرد بسرعة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمسائل الخصومات والمنازعات لا يمكن حلها إلا عن طريق القضاء فهو الذي له الكلمة الفصل في ذلك . ويمكنه سماع حجج الخصوم وبيناتهم.
ولكن نزولا عند رغبتك نقول لك إجمالا: إن ديون الميت تقضى من تركته إن ترك ما يفي بسدادها، وقد ترك زوجك مالا كثيرا كما ذكرت، فالواجب هو البدء بسداد ديونه قبل قسمة التركة، قال تعالى: مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا {النساء:11}.
وأما بعد قسمة التركة فقد قال ابن عابدين في حاشيته: فلو قسموا التركة بين الورثة ثم ظهر دين محيط قيل للورثة اقضوه فإن قضوه صحت القسمة وإلا فسخت، لأن الدين مقدم على الإرث فيمنع وقوع الملك لهم إلا إذا قضوا الدين أو أبرأ الغرماء ذممهم، فحينئذ تصح القسمة لزوال المال فكذا إذا لم يكن محيطا لتعلق حق الغرماء بها إلا إذا بقي في التركة ما يفي بالدين فحينئذ لا تفسخ لعدم الاحتياج. كذا في قسمة الدرر. اهـ
ومحل ذلك كله ما إذا ثبت الدين ببينة أو إقرار من الميت قبل موته لمن يصح إقراره له، أو صدق الورثة صاحبه.
والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: لو يُعطَى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، لكن البينة على المدعي، واليمين على من أنكر. رواه الترمذي والبيهقي وبعضه في الصحيحين، كما قال الإمام النووي.
فمن ثبت له حق على الميت ببينة أو إقرارمن الورثة، سواء أكان ذلك بسبب عدم إنفاقه عليك تلك المدة أو لزوجته الثانية أوغيرها وجب على الورثة أداؤه من تركته، ويكون في جميعها لا في نصيب وارث معين.
وبناء عليه فإن ثبت ما تدعيه زوجته الثانية فيجب أداؤه إليها من جميع تركة الميت، فيؤخذ من نصيب كل وارث بقدره إن رضي وإلا ردت القسمة السابقة للتركة حتى تقضى الديون كما بينا سابقا.
قال ابن عابدين في رد المختار: ادعى بعض الورثة بعد الاقتسام دينا على الميت يقبل، ولا يكون الاقتسام إبراء عن الدين، لأنه حقه غير متعلق بالغير فلم يكن الرضا بالقسمة إقرارا بعدم التعلق. انتهى.
ويجب عليها أن تؤدي إليك نصيبك من تركة زوجك وكذا نصيب أبنائك غير ما أسقطه الابن المذكور من حقه إن كان جائز التصرف.
وينبغي رفع المسألة إلى المحاكم الشرعية للبت فيها ومعرفة ما يجب لكل خصم وما يجب عليه وإلزامه به .
والله أعلم.