السؤال
أنا متزوجة من فترة قصيرة، وزوجي دائم الحلف بالطلاق مثلا يقول: علي الطلاق إن لم تعطني الشيء الفلاني سوف أفعل وأفعل، وقام مرة بكتابة كلمة أنت طالق على رسالة عبر الهاتف، وبعث لي رسالة صوتية عبر الهاتف أنت طالق طالق طالق. وقال لي مرة على الهاتف: أنت طالق طالق طالق. وقد حلف أنه لم يكن ينوي في أي من المرات إنما كان يريد أن يؤدبني على حد قوله؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان زوجك على ما ذكرت من الإكثار من الحلف بالطلاق فهو من المستهزئين بأحكام الله تعالى، وهذا من الخطورة بمكان، فقد ثبت النهي عنه والتحذير منه، قال تعالى: وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. {البقرة:231}.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: ومن اتخاذ آيات الله هزوا ما روي عن ابن عباس أنه سئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق مائة. فقال: يكفيك منها ثلاث والسبعة والتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا، فمن اتخاذها هزوا على هذا مخالفة حدودها فيعاقب بإلزامها وعلى هذا يتركب طلاق الهازل. انتهى.
والحلف بالطلاق من أيمان الفساق كما تقدم في الفتوى رقم: 58585.
وبخصوص قوله: علي الطلاق إن لم تعطني كذا مثلا- فالحكم فيه أنك إن أعطيته إياه فلا يقع طلاق، وإن لم تعطه إياه وكان قد حدد وقتا لذلك ولم يحصل إعطاء وقع الطلاق عند جمهور أهل العلم بمن فيهم المذاهب الأربعة خلافا لشيخ الإسلام ابن تيمية القائل بلزوم كفارة يمين إذا كان الزوج لا يقصد طلاقا، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 19162.
وإن لم يحدد وقتا للإعطاء فلا يقع طلاق حتى يستحيل الإعطاء مثلا بتلف الشيء المعين أو نحو ذلك.
قال ابن قدامة في المغني: وإذا قال: إن لم أطلقك فأنت طالق. ولم ينو وقتا، ولم يطلقها حتى مات أو ماتت، وقع الطلاق بها في آخر أوقات الإمكان. وجملة ذلك أن حرف- إن- موضوع للشرط، لا يقتضي زمنا، ولا يدل عليه إلا من حيث إن الفعل المعلق به من ضرورته الزمان. وما حصل ضرورة لا يتقيد بزمن معين، ولا يقتضي تعجيلا، فما علق عليه كان على التراخي، سواء في ذلك الإثبات والنفي. فعلى هذا إذا قال: إن لم أطلقك فأنت طالق. ولم ينو وقتا ولم يطلقها كان ذلك على التراخي، ولم يحنث بتأخيره؛ لأن كل وقت يمكن أن يفعل ما حلف عليه فلم يفت الوقت. فإذا مات أحدهما علمنا حنثه حينئذ؛ لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بها بعد موت أحدهما، فتبين أنه وقع، إذ لم يبق من حياته ما يتسع لتطليقها. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي. انتهى.
والطلاق كتابة بواسطة الهاتف يقع إذا نواه فإن لم ينوه فلا يلزمه شيء، والطلاق في الرسالة الصوتية واقع لكن إن قصد بإعادة لفظ الطلاق التأسيس بمعنى إنشاء الطلاق بكل الألفاظ الثلاث وقع ثلاثا، وإن قصد الطلاق بالعبارة الأولى فقط وما بعدها تأكيد لها لزمته طلقة واحدة. وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 116418.
وهذا الحكم أيضا ينطبق على قوله أخيرا:- أنت طالق طالق طالق - لكن هذا القول الأخير إن سبقته ثلاث طلقات فلا يلزم فيه شيء لكونه لم يصادف محلا، وإن سبقه أقل منها وقع ما قصده الزوج ما لم يزد على الثلاث. والتلفظ بالطلاق الصريح مثل طالق ونحوه يقع به الطلاق من غير افتقار إلى نية، وبالتالي فحلف زوجك على عدم قصد الطلاق مع تلفظه بالطلاق الصريح لا ينفعه، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 24121.
وعليه، فإذا كان زوجك قد طلقك ثلاثا فقد حرمت عليه ولا تحلين له حتى تنكحي زوجا غيره نكاحا صحيحا نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يطلقك بعد الدخول.
والله أعلم.