الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل حول استعمال العطور المشتملة على كحول

السؤال

لقد سألت فضيلتك عن طهارة الكحول منذ مدة وكان رد فضيلتك بنجاستها حتى إننى استطردت وسألت فضيلتك عن قول الشيخ العثيمين: أن الأصل الطهارة ولا بد من دليل على نجاستها، فكان رد فضيلتك أن الشيخ قال في الآخر لا داعي لاستخدامها إلا لضرورة أو نحو ذلك.
زوجتي رفضت هذا الكلام واتصلت بأستاذ فقه مقارن بجامعة الأزهر، فقال لها: الكحول يشتعل والعطور لا تشتعل وبالتالى: هي ليست نجسة وأنا لا أعلم ماذا قصد؟ هل هي معالجة أو مختلطة أوماذا؟ ما رأى فضيلتك في ذلك، حيث إن هذه العطور تستعمل وأنا أجد مشقة في تطهير الفراش أوأي شيء تلامسه، فرذاذ هذه العطور كثير ولا أطهر ما أصابه للمشقة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن العطور المشتملة على الكحول الذي هو الخمر نجسة في قول جماهير العلماء ما لم يستحل الكحول إلى عين أخرى تغاير صفتها صفة الخمر، كما بينا ذلك في الفتوى: 71561، والقول بنجاسة الخمر هو قول الأئمة الأربعة وأهل الظاهر ولم يخالف في ذلك إلا طائفة قليلة من العلماء، والقول بنجاستها ـ فضلا عن كونه قول الجماهيرـ هو القول الذي يعضده الدليل، كما أوضحنا ذلك مفصلا في الفتوى: 112455.

وأما ما ذكره هذا الشيخ من كون العطور لا تشتعل، فإن أراد به أن الاشتعال هو مناط تنجيس الكحول فهو غلط، فإن المواد المشتعلة كالبنزين ونحوه الأصل فيها الطهارة، وإن أراد به أن الكحول الموجود في هذه العطور قد فقد صفاته وتحول إلى عين أخرى، فنحن نوافق على أن النجاسات تطهر بالاستحالة، كما بينا ذلك في الفتوى: 45155، ولا يكون ذلك إلا إذا تحول الخمر إلى عين أخرى مغايرة للخمر، وانظر لمعرفة معنى الاستحالة وبيان المرجع فيها الفتوى: 113514، وأما زوجتك هداها الله فالأصل أنها لا يلزمها اتباع مذهبك وليس لك حملها على ما تراه أنت، وراجع الفتوى: 107108، ولكن إذا كان يترتب عليك أنت ضرر من استعمالها لهذه العطور فالظاهر أن عليها أن تطيعك وبخاصة وهي إنما تتطيب من أجلك أنت فعليها أن تطيعك إذا كان مقصودها هو إرضاؤك، وعليك أن تذكرها وتناصحها وتبين لها أن القول الراجح هو نجاسة الخمر، وهو على أقل تقدير شبهة لا يليق بالحريص على دينه أن يوقع نفسه فيها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. متفق عليه.

فإن لم تنتصح جاز لك أن تجبرها على الامتناع من وضع هذه العطور، وفيما لم يُختلف فيه غُنية ـ بإذن الله ـ ويجب عليها طاعتك فيما تأمرها به من الامتناع عن وضعها، لأن في وضعها لهذه العطور إضرارا بك، وقد نص العلماء على أن للزوج منع زوجته ممّا يضر به كأكل الثوم والبصل فكيف إذا كان الضرر شرعيا دينيا لا حسيا، إنه لا شك أولى وأحرى أن تلزمها الطاعة في الامتناع عنه، قال الغزالي في الوسيط: ولا شك في أن للزوج منعها من تعاطي أكل الثوم وما يتأذى برائحته الكريهة. انتهى.

وقال ابن عابدين في حاشيته: فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَهَا عَمَّا يُوجِبُ خَلَلًا فِي حَقِّهِ. انتهى.

ونصوا كذلك على أن للزوج أن يمنع زوجته من لبس النجس من الثياب، لئلا يتضرر بالتنجس به عند مخالطتها، قال في الحاوي: فَأَمَّا الثِّيَابُ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ لِبْسِ مَا كَانَ نَجِسًا، لِأَنَّهُ قَدْ يُنَجِّسُهَا وَيَتَنَجَّسُ بِهَا، وَهُوَ أدْوَمُ مِنْ نَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ، وَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ أَشَقُّ، فَلِذَلِكَ مُنِعَتْ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا.

كما نصوا على أن للزوج إجبار زوجته الكتابية على غسل فمها من الخمر وإن كانت لا تعتقد هي تحريمه، لئلا يصاب به الزوج، وأما أنت فما دمت تعتقد نجاسة العطور المشتملة على الكحول فإنه يجب عليك تجنبها وإزالتها إذا أصابت بدنك أو ثيابك، وإذا تعمدت الصلاة دون تطهيرها، فإن صلاتك تقع باطلة، لأن اجتناب النجاسة شرط من شروط صحة الصلاة عند الجمهور.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني