السؤال
أنا طالب مسلم عندي 21 سنة، سأدرس في باريس العام القادم ـ إن شاء الله ـ وجدت بعد مشقة كبيرة سكنا مع عائلة مسلمة، الأم لديها 37 سنة مطلقة من 7 سنين، ولديها ولدان أحدهما لديه 6 سنوات، والآخر 11 سنة، وبنت لديها ستنان، وستكون لي غرفتي المستقلة، فهل سكني مع تلك الأسرة حلال؟ ولن تكون هناك خلوة، وإن شككت بأي شىء سأغادر المنزل على الفور.
أرجو الأستشهاد بالآيات والأحاديث، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فننبهك أولا إلى أن السفر إلى بلاد الكفر والإقامة فيها لفترات طويلة الأصل فيه المنع وعدم الجواز، لأن هذه البلاد بلاد فتن وشرور، ولا شك أن المقيم فيها سيتأثر بتلك الفتن مهما بالغ في التحرز والتوقي منها، وهذا معلوم بالمشاهدة. وراجع الفتوى رقم:2007
وبينا ضوابط السفر للدراسة في هذه البلاد في الفتاوى التالية أرقامها: 76312، 31862، 34751.
وعلى ضوء هذه الضوابط المذكورة في تلك الفتاوى تستطيع تحديد ما إذا كان يشرع لك السفر للدراسة في هذه البلاد أو لا يشرع أصلا.
فإن تحققت فيك شروط الإباحة وأمنت على نفسك الفتنة ـ وهو أمر مستبعد لمن هم في مثل سنك ـ فلا حرج عليك من السفر بعد استخارة الله جل وعلا.
أما عن سكنك مع هذه الأسرة فينظر فيه، فإن كانت هذه الحجرة منفصلة عن البيت مستقلة بمرافقها وشؤونها بحيث تعد مسكنا مستقلا، فلا حرج عليك في السكنى فيها .
أما إذا كانت هذه الغرفة غير منفصلة عن البيت أوكانت منفصلة لكنها متحدة المرافق معه في الحمام ونحوه فلا يجوز لك حينئذ السكن فيها، بل يحرم ذلك، لأنه ذريعة قوية للفساد والفتنة، ودعوى عدم الخلوة غير صحيحة فإنه لا بد لك من خلوة محرمة في هذا المسكن مهما تحرزت من ذلك، فإن الأولاد يكونون غالب الوقت في المدارس وهذه المرأة مطلقة أي أنها تقضي أوقاتا طويلة بمفردها في البيت، فوجودك أنت معها في هذه الأوقات هو عين الخلوة المحرمة وهو فتنة ما بعدها فتنة. فاتق الله ربك، واحذر أن تدخل نفسك في أبواب الفتنة بحجة أنك ستغادر عند حدوث ريبة أو شر، فهذا من كيد الشيطان واستدراجه لك.
أما عن أدلة تحريم الخلوة فهي كثيرة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه. وقال أيضا: ما خلا رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. رواه الترمذي وأحمد.
قال أبو العباس القرطبي في كتابه المفهم: وبالجملة فالخلوة بالأجنبية حرام بالاتفاق في كل الأوقات وعلى كل الحالات. انتهى.
واتفقت جماهير أهل العلم على سد الذرائع بمعنى أنه إذا وجد فعل في أصله مباح ولكنه سيؤدي إلى محرم يقينا أو على أغلب الظن، فإن هذا الفعل المباح يصير محرما، فإن الله جلت حكمته إذا حرم الشيء حرم أسبابه وسد الذرائع الموصلة إليه والداعية لفعله. يقول ابن القيم في إعلام الموقعين: لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرَّمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطها بها. انتهى.
وفي فتح الباري عند الحديث عن نهي الرجل أن يسب والديه، يقول ابن حجر: قال ابن بطال هذا الحديث أصل في سد الذرائع ويؤخذ منه أن من آل فعله إلى محرم يحرم عليه ذلك الفعل، وإن لم يقصد إلى ما يحرم. انتهى.
والله أعلم.