السؤال
سؤالي حول الفائدة في المصارف الاستثمارية: هل هي حرام أم حلال؟.
إنني أحد أفراد المصارف الاستثمارية الأهلية وأردت أن أفتح حسابا لي في هذا المصرف، وهناك نوعان: الجاري، والوديعة.
فالوديعة تحمل فائدة تقارب 4 % سنويا، وهناك من قال لي إن هذه الفائدة حرام، وهناك من قال إنها حلال ما دام المصرف يستثمر هذه الأموال، لأن هناك مجموعه شركات مرتبطة بالمصرف ويتم استثمار هذه الأموال بأعمال تجارية أو عقارية أو غيرها.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كانت المصارف الاستثمارية المذكورة مصارف إسلامية ويقتصر نشاطها الاستثماري على المجالات المشروعة والأعمال المباحة، فلا حرج في استثمار المال لديها وفق الضوابط الشرعية لعقد المضاربة من عدم ضمان رأس المال أو تحديد مبلغ معلوم كربح، لأن ذلك كله مما يفسد عقد المضاربة ويخل به، جاء في المغني لابن قدامة: قال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معدودة. اهـ .
وعليه، فإذا كانت الأرباح السنوية محددة بنسب معينة مضافة إلى رأس المال فهي مبالغ محددة إذن مما يدل على أنها مجرد فوائد ربوية، لأن حقيقة الأمر كون صاحب المال يقرضه للمصرف بفائدة سنوية وهذا هو الربا.
كما أن المصارف إذا كانت غير إسلامية فإنها لا تتقي الاستثمار في المجالات المحرمة وإيداع المال لديها فيه إعانة لها على باطلها وإثمها فلا يجوز استثمار المال لديها لما بيناه، وقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم وتوجيهه للناس أن قال: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب.
قال الحافظ في الفتح أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة، وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود وصححه الألباني أيضا.
وعلى المسلم أن يتقي الله في ماله فسيسأل عنه: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وكل جسم نبت من حرام فالنار أولى به، وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت. رواه أحمد وغيره.
ومما يمنع إجابة الدعاء تلبس المرء بالحرام في مطعمه وملبسه وغيره، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم، وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم.
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟.
كما يدلك هذا الحديث على التحذير من الربا وغيره من أنواع الكسب الحرام، فالربا خبيث لا بركة فيه مع ما توعد الله عليه من العقوبة والمحاربة، قال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إلى قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ {البقرة:278 ،279}.
وما دام أمر الربا كذلك فالحذر كل الحذر منه ومما يؤدي إليه ـ وإن سمي بغير اسمه واحتيل عليه بكل الوسائل الخفية ـ فإن ذلك لا يغيرمن حقيقة أمره شيئا، وللفائدة انظر الفتويين رقم: 73222، ورقم: 1873.
والله أعلم.