الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان زوجك على ما ذكرت من الإكثار من الحلف بالطلاق فهو من المستهزئين بأحكام الله تعالى، وهذا من الخطورة بمكان، فقد ثبت النهي عنه والتحذير منه، قال تعالى: وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {البقرة:231}.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: ومن اتخاذ آيات الله هزوا ما روي عن ابن عباس أنه سئل عن رجل قال لامرأته أنت طالق مائة، فقال: يكفيك منها ثلاث والسبعة والتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا، فمن اتخاذها هزوا على هذا مخالفة حدودها فيعاقب بإلزامها، وعلى هذا يتركب طلاق الهازل. انتهى.
والحلف بالطلاق من أيمان الفساق، كما تقدم في الفتوى رقم: 58585.
وقول زوجك ـ هتكوني طالقا بالثلاث إذا خرجت ـ يحتمل الوعد بالطلاق، كما يحتمل تعليق الطلاق بالخروج، فإن قصد الوعد فلا شيء عليه إن لم ينفذه، وإن قصد تعليق الطلاق على الخروج فقد وقع ثلاثا عند الجمهور وهو القول الراجح الذي نفتي به.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: تلزمه كفارة يمين إذا لم يقصد طلاقا، وإن قصده لزمته طلقة واحدة، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 110560، 5584، 19162.
ومثل ما ذكرنا هنا يقال في قوله لك: إن فتحت فمك بكلمة هتكوني طالقا ـ إذا كان قد حصل حنث، إلا أن الحنث هذا لا ثمرة له إن كانت قد حصلت بينونة كبرى بأن كنت طالقا منه ثلاثا بموجب حنثه الأول.
وأما قوله ـ أنت طالق ـ فهو طلاق صريح ولا يحتاج إلى نية، لكنه لا يقع أيضا إذا كان الطلاق المتقدم ثلاثا فأكثر، لأنه لم يصادف محلا.
وبعد حصول ثلاث طلقات فأكثر تكونين قد حرمت على زوجك، ولا تحلين له إلا بعد أن تنكحي زوجا غيره نكاحا صحيحا نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يطلقك بعد الدخول.
أما الرجعة التي ادعاها فلا تصح إذا سبقتها ثلاث طلقات فأكثر، أو سبقها أقل من ثلاث وانقضت العدة قبل أن يرتجع، فإن لم تنقض العدة وكانت الطلقات أقل من ثلاث، وادعي بعد العدة أنه راجعك قبل تمامها فتصح الرجعة إذا أثبتها بشاهدي عدل أو صدقته أنت بها، ففي الموسوعة الفقهية: فإن ادعى بعد انقضاء عدتها أنه كان راجعها في عدتها فأنكرت، فالقول قولها، لأنه ادعى مراجعتها في زمن لا يملك مراجعتها فيه، وإذا ادعى الزوج بعد انقضاء العدة أنه قد راجع مطلقته في أثناء العدة وأقام بينة على ذلك صحت رجعته. انتهى.
وفى تبيين الحقائق للزيلعي: لو قال لها بعد انقضاء عدتها كنت راجعتك في العدة، فإن صدقته تصح الرجعة، وإن كذبته لا تصح. انتهى.
مع العلم أن الرجعة لا تصح بمجرد النية، بل لا بد أن تكون بالقول أو بالفعل المقتضي لها مع النية أو بدونها على خلاف في ذلك بين أهل العلم.
فإن صحت الرجعة وقال بعد ذلك ـ عليه الحرام لن يعود للبيت بعد ذهابه عنه ـ فإن لم يحنث بأن لم يعد للبيت، فلا شيء عليه، وإن عاد للبيت بعد ما فعل ما قصده من المشي، فينظر إلى نيته بالحلف بالحرام، فإن قصد طلاقا كان طلاقا، وإن قصد ظهارا كان ظهارا، وإن قصد الإيلاء كان إيلاء، وإن قصد اليمين لزمته كفارة يمين، وإن لم يقصد شيئا، لزمته كفارة يمين، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 105968.
وقوله أخيراـ علي الطلاق لو زودت في الكلام هتكوني مسافرة بكرة ـ فإن لم يحنث في هذا اليمين فلا شيء عليه، وإن زودت عليه في الكلام كما قصد فيقع الطلاق ـ إن لم يقصد الوعد ولم تكوني محرمة عليه ـ إذا لم ينفذ ما حلف عليه من سفرك المقصود سواء كان طلاقا أو غيره.
وقول زوجك: مأ أنت مطلقة ولسه هسأل شيخ ـ كلام لا يخلو من غموض والذي فهمنا منه أنه يقول لزوجته أنت كنت مطلقة من قبل وسأسأل شيخا عن حكم هذه المسألة، ولا يترتب على هذا الكلام طلاق، لأنه إخبار عن الطلاق المتقدم.
وننصحك برفع الأمر للمحكمة الشرعية للنظر في المسألة فهي أولى بذلك لتمكنها من سماع الزوجين.
والله أعلم.