السؤال
أختي صلت مع أمي وانتقض وضوؤها علما بأنها هي الإمام وظلت أمي واقفة ولم تكمل صلاتها وذهبت أختي وتوضأت، واستشارتني فقلت لها توضئي وأكملي الصلاة مع أمي ثم اقضي ما فاتكِ لأني سمعت حديث فيما معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالصحابة رضوان الله عليهم ثم انتقض وضوءه فتركهم وذهب وتوضأ وأكمل الصلاة بهم. والله أعلم؟ هل صلاة أمي وأختي جائزة أو مقبولة وهل عليهما إعادة الصلاة أم لا ؟ أفيدونا أفادكم الله؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا فسدت صلاة الإمام لم تفسد صلاة المأموم على الراجح من كلام أهل العلم وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، ومن ثم فقد كان على أمك أن تكمل صلاتها حين أحدثت أختك، فإن توضأت أختك قبل فراغ أمك من الصلاة وأرادت أن تقتدي بها فلها ذلك، وأما ما أفتيتها به من أنها تتوضأ ثم تعود فتكمل الصلاة بأمك فالذي فهمناه أنك أمرتها بأن تستأنف صلاتها وتقتدي بها أمك فيما بقي من صلاتها، فإذا كان كذلك فهذا يصح على قول من صحح الصلاة إذا كبر المأموم قبل الإمام، واحتج على ذلك بما ورد من أن النبي صلى الله عليه وسلم تذكر أنه جنب بعد ما كبر بأصحابه، فأشار إليهم أن امكثوا ثم دخل بيته فاغتسل ثم رجع فصلى بهم، ولعل هذا هو الحديث الذي أشرت إليه، إذ إننا لا نعلم لما ذكرته من كون النبي صلى الله عليه وسلم انتقض وضوؤه فذهب فتوضأ ثم عاد فأكمل الصلاة بأصحابه أصلا، وهذا الحديث -نعني خبر خروجه صلى الله عليه وسلم من المسجد حين تذكر أنه جنب ثم رجوعه بعد ما اغتسل وصلاته بأصحابه- ثابت في الصحيحين وغيرهما، وفيه أن خروجه من المسجد كان قبل أن يكبر للصلاة، ولفظه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَّلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، ذَكَرَ فَانْصَرَفَ، وَقَالَ لَنَا : مَكَانَكُمْ ، فَلَمْ نَزَلْ قِيَامًا نَنْتَظِرُهُ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ، يَنْطُفُ رَأْسُهُ مَاءً، فَكَبَّرَ فَصَلَّى بِنَا. وهذا لفظ مسلم.
وأما الروايات التي فيها خروجه من الصلاة بعد ما كبر فهي في غير الصحيح ولا يخلو شيء منها من مقال.
قال شمس الحق في عون المعبود: ثم اعلم أن رواية أبي بكرة المتصلة وروايات محمد بن سيرين وعطاء بن يسار والربيع بن محمد المرسلة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد ما دخل في الصلاة وكبر، قال الحافظ: وصححه ابن حبان والبيهقي، واختلف في إرساله ووصله. انتهى.
وأما رواية أبي هريرة التي أخرجها المؤلف والشيخان تدل بدلالة صريحة على أنه صلى الله عليه وسلم انصرف بعد ما قام في مصلاه وقبل أن يكبر فرواية أبي هريرة هذه معارضة للروايات المتقدمة.
قال الحافظ في فتح الباري: ويمكن الجمع بينهما بحمل قوله كبر ودخل في الصلاة أنه قام في مقامه للصلاة وتهيأ للإحرام بها وأراد أن يكبر، أو بأنهما واقعتان أبداه العياض والقرطبي احتمالا.
وقال النووي: إنه الأظهر، وجزم ابن حبان كعادته، فإن ثبت وإلا فما في الصحيح أصح. انتهى.
قال الزرقاني في شرحه على الموطأ: واحتج به الشافعي ومن وافقه على جواز تكبير المأموم قبل الإمام لأنهم لم يكبروا بعد تكبيره الواقع بعدما اغتسل بل اكتفوا بتكبيرهم أولا. انتهى.
وقال ابن رجب في فتح الباري معلقا على هذه الرواية على فرض ثبوتها: وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما مضى من تكبيرة الإحرام وهو ناس لجنابته، فلم يبق إلا أحد وجهين :
أحدهما: أن يكون صلى الله عليه وسلم لما رجع كبر للإحرام وكبر الناس معه .
والثاني : أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استأنف تكبيرة الإحرام ، وبنى الناس خلفه على تكبيرهم الماضي . وهذا هو الذي أشار إليه الشافعي.
وعليه؛ فإذا كانت أختك قد عملت بفتياك وعادت فأكملت الصلاة بأمك فصلاتهما صحيحة ولا إعادة عليهما على هذا المذهب، الذي استدل له بهذا الحديث، وإن كان الأولى ترك هذا فيما يستقبل خروجا من خلاف العلماء.
والله أعلم.