الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما تقوم به أيها السائل من اختلاط بهذه الفتاة على هذا الوجه مع علمك بحرمته وعدم جوازه منكر عظيم، ذلك أن اتباع الهوى مع العلم قبيح جدا، وقد ذم الله سبحانه من زاغ عن الصراط المستقيم واتبع هواه وهو مستبصر، فقال سبحانه: وَزَيّنَ لهم الشيطان أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ {العنكبوت : 38}
يقول الألوسي رحمه الله:{ مُسْتَبْصِرِينَ } أي عقلاء يمكنهم التمييز بين الحق والباطل بالاستدلال والنظر، ولكنهم أغفلوا ولم يتدبروا، وقيل : عقلاء يعلمون الحق ولكنهم كفروا عناداً وجحوداً ، وقيل : متبينين أن العذاب لاحق بهم بإخبار الرسل عليهم السلام لهم ولكنهم لجوا حتى لقوا ما لقوا. انتهى.
وقال سبحانه: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ الله أفلا تذكرُونَ {الجاثية : 23}
يقول الألوسي رحمه الله: وفيها من ذم اتباع هوى النفس ما فيها ، وعن ابن عباس ما ذكر الله تعالى هوى إلا ذمه , وقال وهب : إذا شككت في خير أمرين فانظر أبعدهما من هواك فأته ، وقال سهل التستري : هواك داؤك فإن خالفته فدواؤك ، وفي الحديث: العاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله تعالى. انتهى.
وأنت أيها السائل قد أفتيت نفسك بنفسك عندما صرحت بأن علاقتك بهذه الفتاة غير شرعية , وكان الواجب عليك إذن أن تسارع إلى قطعها , ولكن العجيب أنك لم تفعل ذلك ولم ترسل لتستفتينا في كيفية التوبة إلى الله من هذا الإثم الذي قادك إلى العشق والعياذ بالله , بل كل ما تسأل عنه هو كيفية الاحتفاظ بهذه الفتاة حتى تتزوج منها , وطفقت تبرر لنفسك فعلك وأنه ليس من الكبائر بل من الصغائر وهذا لا نوافقك عليه قطعا لأنا إذا سلمنا أن مجرد النظرة والكلمة والابتسامة العابرة من الصغائر فإنها بالمداومة عليها يتغير الحكم تماما وتصبح من الكبائر الموبقات بل مفاسد ذلك تربو على مفاسد كثير من الكبائر خصوصا بعد أن أوصلك فعلك إلى العشق وهو داء عضال ومرض قتال، أتعب الأطباء وحير الحكماء ، وإنه ليفتح على صاحبه والعياذ بالله من المحن والمفاسد ما لا يقدر على صرفه إلا الله.
يقول ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: وأما النظر والمباشرة فاللمم منها مغفور باجتناب الكبائر، فإن أصر على النظر أو على المباشرة صار كبيرة , وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش , فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة قد يكون أعظم بكثير من فساد زنا لا إصرار عليه ؛ ولهذا قال الفقهاء في الشاهد العدل : أن لا يأتي كبيرة ولا يصر على صغيرة، وفي الحديث المرفوع { لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار } . بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك كما قال تعالى : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله } . ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان، والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة، وعن قوم لوط المشركين، والعاشق المتيم يصير عبدا لمعشوقه منقادا له أسير القلب له. انتهى.
واعلم أن كل ما تبرر به لنفسك من زعمك أنك تتعاون معها على الصلاة والذكر والتمسك بالدين، كل هذا لا يفيدك في شيء، بل هذا من كيد الشيطان ومكره.
فبادر رحمك الله بالتوبة إلى الله، وشكر ما أنعم الله به عليك من حفظ كتابه، واعلم أن أعظم شكر لهذه النعمة أن توقر كتاب الله وتعظّم قدره، وتبتعد عن مواطن التهم والشبهات، فضلا عن المحرمات، ذلك أن حامل القرآن ليس كغيره من الناس.
قال الحسن البصريُّ رحمه الله: إن من كَان قبلكم رأوا القُرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، وينفذونها بالنهار.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ينبغي لحامل القُرآن أن يُعرف بليلهِ إذا النَّاس نائمون، وبنهاره إذا النَّاس مفطرون، وبحزنه إذا النَّاس يفرحون، وببكائهِ إذا النَّاس يضحكون، وبصمتهِ إذا النَّاس يخوضون، وبخشوعه إذا النَّاس يختالون .
وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال : حامل القُرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو تعظيماً لحق القرآن.
وما ننصحك به في الختام هو أن تتقدم لأهل هذه الفتاة وتصارحهم برغبتك في تعجيل الزواج بها، فإن أجابوك إلى ذلك فبادر إلى الزواج ولا تؤخره، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم ير للمتحابين مثل النكاح. رواه ابن ماجة وغيره وصححه الألباني.
وإن طلبوا منك التأجيل فأنت بالخيار، فإما أن تجيبهم إلى ذلك مع قطع كل علاقة لك بها إلى أن يتم العقد، وإما أن تنصرف عنها وتبحث عن غيرها من ذوات الخلق والدين.
والله اعلم.