السؤال
ما حكم شخص عمل عملا أو قال قولا أو نوى نية تخرج من الإسلام وهو غافل عن ذلك؟ أو يعلم ولكنلا يستطيع أن يفعل شيئا؟ سؤال من فقرتين فما هو الجواب؟
ما حكم شخص عمل عملا أو قال قولا أو نوى نية تخرج من الإسلام وهو غافل عن ذلك؟ أو يعلم ولكنلا يستطيع أن يفعل شيئا؟ سؤال من فقرتين فما هو الجواب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالردة عن الإسلام ـ والعياذ بالله ـ قد تكون بالنية أو بالقول أو بالفعل.
قال النووي في منهاج الطالبين : الردة هي قطع الإسلام بنية أو قول كفر أو فعل، سواء قاله استهزاء أو عنادا أو اعتقادا. انتهى.
وقد يأتي الإنسان بشيء مكفر ولكنه متلبس بعارض من عوارض الأهلية كالخطأ والإكراه، فلا يحكم بردته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: لا بد في العقود وغيرها من قصد التكلم وإرادته، فلو فرض أن الكلمة صدرت من نائم أو ذاهل، أو قصد كلمة فجرى على لسانه بأخرى، أو سبق بها لسانه من غير قصد لها، لم يترتب على مثل هذا حكم في نفس الأمر قط. انتهـى.
وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان: قاعدة الشريعة أن العوارض النفسية لها تأثير في القول إهدارا واعتبارا، وإعمالا وإلغاء، وهذا كعارض النسيان والخطأ والإكراه والسكر والجنون والخوف والحزن والغفلة والذهول، ولهذا يحتمل من الواحد من هؤلاء من القول ما لا يحتمل من غيره، ويعذر بما لا يعذر به غيره، لعدم تجرد القصد والإرادة ووجود الحامل على القول وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الغضب مانعا من تكفير من قال له ولأصحابه: هل أنتم إلا عبيد لأبي. وجعل الله سبحانه الغضب مانعا من إجابة الداعي على نفسه وأهله، وجعل سبحانه الإكراه مانعا من كفر المتكلم بكلمة الكفر، وجعل الخطأ والنسيان مانعا من المؤاخذة بالقول والفعل. انتهـى.
وجاء في الموسوعة الفقهية: اللفظ هو الصورة التي تحمل مراد المتكلم إلى السامع، فإذا كان صاحب اللفظ جاهلا بمعناه كالأعجمي لم يعد اللفظ صالحا لتأدية هذا المعنى، فيسقط اعتباره . جاء في قواعد الأحكام: إذا نطق الأعجمي بكلمة كفر أو إيمان أو طلاق أو بيع أو شراء أو صلح أو إبراء لم يؤاخذ بشيء من ذلك؛ لأنه لم يلتزم مقتضاه ولم يقصد إليه، وكذلك إذا نطق العربي بما يدل على هذه المعاني بلفظ أعجمي لا يعرف معناه فإنه لا يؤاخذ بشيء من ذلك؛ لأنه لم يرده، فإن الإرادة لا تتوجه إلا إلى معلوم أو مظنون. انتهـى.
ولا ندري على وجه القطع ما هي الغفلة التي يعنيها السائل الكريم، فإن كان يريد معنى الجهل، أي إنه فعل ما فعل جهلا منه بحرمته أو أنه مكفر، فالذي يظهر لنا أن الفعل إذا كان معلوماً لا يخفى على آحاد الناس أنه فعل كفري فمن فعله فإنه يكفر، أما إذا كان أمراً خفياً فلا يكفر من فعله إلا بعد العلم بذلك، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 121629. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 497 ، 61106 .
وإن كان المراد أنه كان هازلاً لا جاداً، فليس هذا بعذر.
قال الزركشي في (المنثور): من تكلم بكلمة الكفر هازلا ولم يقصد الكفر كفر. انتهـى.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: قد تقدم أن الذي قال لما وجد راحلته:" اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح لم يكفر بذلك وإن أتى بصريح الكفر؛ لكونه لم يُردْه. والمكره على كلمة الكفر أتى بصريح كلمته ولم يكفر لعدم إرادته، بخلاف المستهزئ والهازل فإنه يلزمه الطلاق والكفر، وإن كان هازلا؛ لأنه قاصد للتكلم باللفظ، وهزله لا يكون عذرا له بخلاف المكره والمخطئ والناسي فإنه معذور مأمور بما يقوله ، أو مأذون له فيه، والهازل غير مأذون له في الهزل بكلمة الكفر و العقود، فهو متكلم باللفظ مريد له ولم يصرفه عن معناه إكراه ولا خطأ ولا نسيان ولا جهل، والهزل لم يجعله الله ورسوله عذرا صارفا، بل صاحبه أحق بالعقوبة، ألا ترى أن الله تعالى عذر المكره في تكلمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ولم يعذر الهازل بل قال: ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم. وكذلك رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي. انتهـى.
وفي (البحر الرائق) لابن نجيم الحنفي عن (الجامع الصغير): إذا أطلق الرجل كلمة الكفر عمدا لكنه لم يعتقد الكفر، قال بعض أصحابنا: لا يكفر؛ لأن الكفر يتعلق بالضمير ولم يعقد الضمير على الكفر. وقال بعضهم: يكفر. وهو الصحيح عندي؛ لأنه استخف بدينه. انتهـى
قال: والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به قاضي خان في فتاواه. ومن تكلم بها مخطئا أو مكرها لا يكفر عند الكل، ومن تكلم بها عالما عامدا كفر عند الكل انتهـى.
ويحتمل إن مراد السائل بالغفلة: السهو أو الذهول ونحو ذلك.
فقد جاء في الموسوعة الفقهية: النسيان والسهو والغفلة والذهول هذه الألفاظ متقاربة في المعنى عند الفقهاء والأصوليين .. وصرح البيجوري بأن السهو مرادف للغفلة. وأما الذهول فمن العلماء من جعله مساويا للغفلة، ومنهم من جعله أعم منها، ومنهم من جعله أخص، وجميع هذه الألفاظ ترجع إلى عيوب في الإرادة لمنافاتها العلم، وما كان منافيا للعلم كان منافيا للإرادة، وصلتها بالخطأ أنها أسباب تؤدي إليه والخطأ ينتج عنها. انتهى.
وهذا ينبغي أن ينظر فيه لحقيقة الحال، فإن آلت إلى معنى الخطأ أو النسيان كما في حديث: اللهم أنت ربي وأنا عبدك. فصاحبه معذور، كما سبق. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
ويمكن أن نضرب لذلك مثلا بما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم فقال: الرجل لو كان يدعو الله، واجتاز في ممره بصنم أو صليب أو كنيسة، أو كان يدعو في بقعة وهناك صليب هو عنه ذاهل، أو دخل كنيسة ليبيت فيها مبيتاً جائزاً، ودعا الله في الليل لم يكن بهذا بأس. ولو تحرى الدعاء عند صنم أو صليب أو كنيسة، يرجو الإجابة بالدعاء في تلك البقعة لكان هذا من العظائم. انتهـى باختصار يسير.
وأما إن آلت حاله إلى معنى الاستخفاف وعدم التبين، فيحمل على قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. وفي رواية: ما يتبين فيها. متفق عليه.
وأما قول السائل: أو يعلم ولكن لا يستطيع أن يفعل شيئا، فإن كان المراد أنه مكره، فهو معذور كما هو معروف، وقد سبق بيان حكمه في كلام ابن القيم، وإن كان المراد غير ذلك فلم يتبين لنا.
ومن القواعد الكلية في هذا الباب ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: من ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة. انتهى.
وقوله: الشخص المعين الذي ثبت إيمانه لا يحكم بكفره إن لم تقم عليه حجة يكفر بمخالفتها، وإن كان القول كفرا في نفس الأمر بحيث يكفر بجحوده إذا علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله. انتهى.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني