السؤال
هل ـ يا فضيلة الشيخ: أتبع المذهب الذي يوافق ما تأمرني به الوالدة الغالية إذا كان هناك خلاف بين العلماء ـ سواء علمت الراجح أم لم أعلمه؟ أم أتبع الدليل الذي أعرفه؟ مع أنني لست عالمة بكل أحكام الدين ـ ولكن نقول طالبة علم ـ إن شاء الله تعالى ـ فإنني تخرجت من الجامعة ـ ولله الحمد ـ قسم دراسات إسلامية، والآن أكمل تعليمي، لكن في المنزل ـ ولو خالف ما تأمرني به والدتي، مع أنه في قول أو مذهب للعلماء، مع العلم أن والدتي مصرة على بعض المعاصي، مع نصحي لها وتقول لي لا أتقبل منك النصيحة ـ أنت بالذات ـ وذلك، لأنها وجدت مني أخطاء نادرة في نصحي لها وللناس، فأخبرتها أنني لست معصومة وأنني سأتأكد من العلم الذي سأنقله مرة أخرى بكل دقة ـ إن شاء الله تعالى ـ مع العلم أن والدتي الغالية ليست فقيهة بكل أحكام الدين، فهي لا تقرأ إلا قليلا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعبد إن ترجح له وجوب شيء أو تحريمه، اعتمادا على دليل شرعي وقول معتبر من أقوال أهل العلم، فلا يسعه طاعة أحد من الناس في خلاف ذلك، فقد أمر الله برد الأمر إليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم عند التنازع مع من تجب طاعته من الولاة، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا {النساء: 59}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد، وصححه الألباني. وقال ـ أيضا ـ صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. متفق عليه.
أما في ما عدا ذلك، فلا بأس بطاعة الأم أو غيرها ممن أمرنا بطاعته والإحسان إليه، ما دام ذلك في قدرة العبد واستطاعته، وليس فيه ضرر عليه، قال السعدي ـ في بهجة قلوب الأبرار: هذا الحديث ـ يعني حديث: إنما الطاعة في المعروف. قيد في كل من تجب طاعته من الولاة والوالدين والزوج وغيرهم، فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، وكلها بالمعروف، فإن الشارع رد الناس ـ في كثير مما أمرهم به ـ إلى العرف والعادة، كالبر والصلة والعدل والإحسان العام، فكذلك طاعة من تجب طاعته، وكلها تقيد بهذا القيد، وأن من أمر منهم بمعصية الله ـ بفعل محرم أو ترك واجب ـ فلا طاعة لمخلوق في معصية الله.
ويفهم من هذا الحديث: أنه إذا تعارضت طاعة هؤلاء الواجبة ونافلة من النوافل، فإن طاعتهم تقدم، لأن ترك النفل ليس بمعصية، فإذا نهى زوجته عن صيام النفل أو حج النفل، أو أمر الوالي بأمر من أمور السياسة يستلزم ترك مستحب، وجب تقديم الواجب، وقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف. كما أنه يتناول ما ذكرنا، فإنه يتناول ـ أيضا ـ تعليق ذلك بالقدرة والاستطاعة، كما تعلق الواجبات بأصل الشرع. هـ.
وقد سبق لنا تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 130355. وراجعي لزيادة الفائدة الفتويين: 75419، 42717.
ثم إننا نذكر السائلة الكريمة بعظم حق أمها، ولزوم برها والإحسان إليها ـ على أية حال ـ وضرورة التزام الأدب عند نصحها وتعليمها، وقد سبق أن بينا آداب نصح الأم وأهمية الصبر على ذلك، في الفتويين رقم: 79668 ورقم: 31506.
والله أعلم.