السؤال
في الحديث قال: كنت جالساً مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فجاء عليّ فسلّم، فأقعده رسول الله إلى جنبه، فقال: يا علي، مَن أشقى الاوّلين؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: عاقر الناقة، فمن أشقى الاخرين؟قال: الله ورسوله أعلم .قال: فأهوى بيده إلى لحية عليّ، فقال: يا علي الذي يخضب هذه من هذا . ووضع يده على قرنه.قال أبو هريرة: فوالله ما أخطأ الموضع الذي وضع رسول الله يده عليه. لا أدري عن صحة الحديث ولكن أعتقد أنه صححه بعض علماء الحديث . لكن سؤالي هو هل قاتل علي رضي الله عنه أشقى هذه الأمة حتى أشقى من الكفار الذين آذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنافقين، أم أنَّ للحديث معنى آخر أرجو التوضيح؟ وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الحديث له طرق كثيرة يصح بمجموعها، قال الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف: روي من حديث عمار بن ياسر ومن حديث جابر بن سمرة ومن حديث صهيب ومن حديث علي. انتهى.. ثم ذكر هذه الطرق مفصلة.. وقال ابن حجر في الفتح: أخرجه الطبراني، وله شاهد من حديث عمار بن ياسر عند أحمد، ومن حديث صهيب عند الطبراني، وعن علي نفسه عن أبي يعلى بإسناد لين، وعند البزار بإسناد جيد. انتهى. وقال في الإصابة في ترجمة ابن ملجم قبحه الله: وهو أشقى هذه الأمة بالنص الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بقتل علي بن أبي طالب. انتهى.
والحديث صححه الألباني بطرقه في السلسلة الصحيحة، وأما بالنسبة لمعنى هذا الحديث والإشكال الذي ذكره السائل الكريم، فبداية لا بد من التنبيه على أن أهل العلم اختلفوا في ابن ملجم هل قتل كافرا أم مسلماً، ومن قال بكفره استدل بهذا الحديث، قال البيهقي في السنن الكبرى: قال بعض أصحابنا إنما استبد الحسن بن علي رضي الله عنه بقتل ابن ملجم قبل بلوغ الصغار من ولد علي رضي الله عنه، لأنه قتله حداً لكفره لا قصاصاً، واحتجوا في ذلك.. انتهى. فأسند هذا الحديث.
وقال ابن قدامة في المغني: أما ابن ملجم فقد قيل: إنه قتله بكفره، لأنه قتل علياً مستحلاً لدمه معتقداً كفره متقرباً بذلك إلى الله تعالى، وقيل: قتله لسعيه في الأرض بالفساد وإظهار السلاح، فيكون كقاطع الطريق إذا قتل، وقتله متحتم وهو إلى الإمام والحسن هو الإمام. انتهى.
وقال السفاريني في لوامع الأنوار البهية: عند الخوراج أن ابن ملجم أفضل الأمة، وكذلك النصيرية يعظمونه، قال أبو محمد بن حزم: يقولون إنه أفضل أهل الأرض لأنه خلص روح اللاهوت من ظلمة الجسد وكدره. وعند الروافض أنه أشقى الخلق في الآخرة، قلت: ولا يخفى أنه استحل قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بل عد قتله من أعظم القرب وهذا كفر بلا ريب. انتهى.
وقال الشنقيطي في أضواء البيان: استدل القائلون بأن ابن ملجم كافر بالحديث يعني هذا الحديث... وحجة من قال أيضاً بكفره قوية، للحديث الدال على أنه أشقى الآخرين مقروناً بقاتل ناقة صالح المذكور في قوله (إذ انبعث أشقاها) وذلك يدل على كفره. انتهى.. وعلى هذا القول فلا إشكال، وأما على قول من يرى أن ابن ملجم لم يكفر لكونه متأولاً، كما قال الذهبي في تاريخ الإسلام: ابن مجلم عند الروافض أشقى الخلق في الآخرة. وهو عند الخوارج من أفضل الأمة، وهو عندنا أهل السنة ممن نرجو له النار، ونجوز أن الله يتجاوز عنه، لا كما يقول الخوارج والروافض فيه. وحكمه حكم قاتل عثمان وقاتل الزبير وقاتل طلحة.... فكل هؤلاء نبرأ منهم ونبغضهم في الله، ونكل أمورهم إلى الله عز وجل. انتهى.
وقال ابن قدامة: إن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم وفعلهم لذلك متقربين به إلى الله تعالى، وكذلك لم يحكم بكفر ابن ملجم مع قتله أفضل الخلق في زمنه متقرباً بذلك.. انتهى. وعلى هذا القول ينبغي تأويل الحديث بما لا يتعارض مع كون الموحد الذي يخرج من النار يوماً من الدهر، أفضل حالاً من الكافر الذي يخلد في النار، فقد قال الله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا {النساء:48}، ويمكن أن يكون تأويله أن ابن ملجم أشقى أهل القبلة كما أن عاقر الناقة أشقى أهل الكفر، ولا يخفى ما في هذا التأويل من بعد عن النص وأظهر القولين هو القول الأول وهو الذي يشهد له ظاهر الحديث الصحيح.
والله أعلم.