الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تغريم الموظف الذي لا يحضر الفترة الترويحية الرياضية

السؤال

أعمل في شركة تخصص ساعة أسبوعية للموظفين للعب الكرة وتقوم بتغطية التكاليف، قام أحد المدراء بوضع قانون بمبادرة شخصية منه وهو أن من يتخلف عن الحضور فعليه دفع مبلغ من المال كشرط جزائي وهذا القانون ملزم عرفا وليس رسميا من الشركة، ولكنني لا أرغب في الدفع إذا لم أحضر، وهناك بعض الموظفين الذين لم يحضروا وقد دفعوا، علما بأن عدم الدفع سيؤدي إلى كسر كلمة هذا المدير وإحراجه، وشعور الموظفين الذين دفعوا بأن هذا القانون غير مطبق على الجميع.
وسؤال أخر: ما هي الطريقة المقترحة لجعل الموظفين يحضرون ولا يتخلفون عن هذه الساعة بشكل ودي؟ علما بأنني أعتقد أن هذا المدير قد وضع هذا القانون لغرض حسن وهو تحفيز الموظفين على الحضور وعدم التخلف حتى يكون الأمر جديا وحازما بالنسبة لهم، وليس بغرض تحصيل المال.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما فرضه هذا المدير من غرامة مالية على من يتأخر عن اللعب لا يجوز، لأن اللعب بالكرة إذا خلا من المحرمات ككشف العورات أو تضييع الواجبات ونحو ذلك، فهو مباح وفاعل المباح أمير نفسه ـ إن شاء فعله وإن شاء تركه ـ ولا يجوز تغريمه مالا على تركه، بل يصبح هذا من أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ {النساء: 29}.

قال الإمام الشافعي ـ رحمه الله: وَالْحُجَّةُ: فِي أَنَّ مَا كَانَ مُبَاحَ الْأَصْلِ، يَحْرُمُ بِمَالِكِهِ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهِ مَالِكُهُ، أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ.

مَعَ آيٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حُظِرَ فِيهَا أَمْوَالُ النَّاسِ، إلَّا بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ، إلَّا بِمَا فَرَضَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ سَنَّهُ نَبِيُّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتْ بِهِ حُجَّةٌ.

هـ من أحكام القرآن للشافعي - جمع البيهقي.

وقال القرطبي في تفسيره: قوله تعالى: بِالْباطِلِ ـ أي بغير حق. هـ

فلا حق لهذا المدير أو غيره فيما فرضه من مال كعقوبة.

ودفع هذه الأموال تحت سيف الحياء لا يجعلها حلالا، بل هذا من أنواع الغصب الذي ذكره العلماء، قال الإمام الغزالي ـ رحمه الله: إن الغصب نوعان: غصب استيلاء، وغصب استحياء، فغصب الاستيلاء: أخذ الأموال على جهة القهر والغلبة.

وغصب الاستحياء: هو أخذه بنوع من الحياء.

وهما حرامان، لأنه لا فرق بين الإكراه على أخذ الأموال بالسياط الظاهرة، وبين أخذه بالسياط الباطنة.

انتهى من الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر.

ومما يؤكد هذا المعنى: ما ورد عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال: لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس.

رواه الحاكم، وقال ابن الملقن في البدر المنير: جيد. هـ.

وما ذكره السائل من الدفاع عن القانون المذكور ليس فيه ما يصلح مبررا لاستمرار هذا الفعل من مديره وإرادة الخير لا تجعل العمل المحرم مباحا.

أما عن الطريقة المقترحة لجعل الموظفين يحضرون: فتكون بأن يكون الموضوع ذا فائدة دينية لهم أو دنيوية ويكون هناك من المرغبات المباحة ما يحملهم على الحضور، وكل هذا إن كان وراء هذا اللعب مصلحة للعمل أو للموظفين، وراجع الفتوى رقم: 6856.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني