السؤال
هل أعمال القلوب كلها تزيد وتنقص؟ مع ذكر الدليل.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن الإيمان يزيد وينقص، ونقل بعض أهل العلم إجماع الصحابة والتابعين على هذا، فراجع في ذلك الفتوى رقم: 12517.
وقد ذهب بعض أهل البدع ـ كالمرجئة ـ إلى أن الإيمان: هو التصديق، وأن التصديق لا يتفاوت، وعلى ذلك، فالإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص، وهذا باطل من وجوه، ولا يوجد دليل على استثناء عمل معين من أعمال القلوب لا تأتي عليه الزيادة والنقصان، وقد نص أهل العلم على أن أعمال القلوب تزيد وتنقص دون استثناء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب: الإيمان الأوسط: التفاضل في الإيمان بدخول الزيادة والنقص فيه يكون من وجوه متعددة:
ـ أحدها: الأعمال الظاهرة، فإن الناس يتفاضلون فيها وتزيد وتنقص.
ـ الوجه الثاني: زيادة أعمال القلوب ونقصها، فإنه من المعلوم بالذوق الذي يجده كل مؤمن أن الناس يتفاضلون في حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه والتوكل عليه والإخلاص له وفي سلامة القلوب من الرياء والكبر والعجب ونحو ذلك.
ـ الوجه الثالث: أن نفس التصديق والعلم في القلب يتفاضل باعتبار الإجمال والتفصيل، فليس تصديق من صدق الرسول مجملا من غير معرفة منه بتفاصيل أخباره كمن عرف ما أخبر به عن الله وأسمائه وصفاته والجنة والنار والأمم وصدقه في ذلك كله، وليس من التزم طاعته مجملا ومات قبل أن يعرف تفصيل ما أمره به كمن عاش حتى عرف ذلك مفصلا وأطاعه فيه.
ـ الوجه الرابع: أن نفس العلم والتصديق يتفاضل ويتفاوت كما يتفاضل سائر صفات الحي من القدرة والإرادة والسمع والبصر.
ـ الوجه الخامس: أن التفاضل يحصل من هذه الأمور من جهة الأسباب المقتضية لها، فمن كان مستند تصديقه ومحبته أدلة توجب اليقين وتبين فساد الشبهة العارضة لم يكن بمنزلة من كان تصديقه لأسباب دون ذلك.
ـ الوجه السادس: أن التفاضل يحصل في هذه الأمور من جهة دوام ذلك وثباته وذكره واستحضاره، كما يحصل البغض من جهة الغفلة عنه.
ـ الوجه السابع: أن يقال: ليس فيما يقوم بالإنسان من جميع الأمور أعظم تفاضلا وتفاوتا من الإيمان، فكلما تقرر إثباته من الصفات والأفعال مع تفاضله، فالإيمان أعظم تفاضلا من ذلك.
هـ باختصار.
وقد ذكر الشيخ في ثنايا كلامه أدلة ذلك من الكتاب والسنة.
وقال الشيخ صالح آل الشيخ في شرح الطحاوية: أعمال القلوب مشتملة على تصديق، ومشتملة على أمور واجب أن يعملها القلب، وأمور واجب أن ينتهي عنها القلب، وهذه كلها في الحقيقة متصلة، فالتصديق متأثر زيادة ونقصانا بأعمال القلوب، فأعمال القلوب تؤثر على تصديقه، فأعمال القلوب الواجبة إذا زادت محبته لله زاد تصديقه، وإذا زادت إنابته إلى الله وزاد خشوعه وخضوعه بين يدي الله وزاد توكله على الله، زاد تصديقه وزاد يقينه، وكذلك إذا انتهى عن المحرمات، فإذن رجع الأمر في زيادة الإيمان وفي نقصانه إلى زيادة الإيمان في أركانه الثلاثة، ونقصان الإيمان في أركانه الثلاثة، فإذن زيادة الإيمان ـ يزيد بطاعة الرحمن ـ يعني: يزيد التصديق أو الاعتقاد بطاعة الرحمن، ويزيد الإقرار باللسان بطاعة الرحمن، ويزيد العمل بالأركان ـ أيضا ـ بطاعة الرحمن، فزيادة الإيمان راجعة للثلاثة جميعا. هـ.
وقال الدكتور عبد الرحمن المحمود في تيسير لمعة الاعتقاد: الإيمان عندهم ـ يعني المرجئة ـ مجرد التصديق، ولا تفاوت بين المصدقين. وهذا خطأ، لأننا لو تأملنا الأمر لوجدنا أنه في باب التصديق يتفاوت الناس فيه وبيان ذلك أن الناس لا يتفاوتون إذا كان الأمر متعلقا بالإخبار عن حاضر مثال ذلك: إذا أمسكت بيدي كتاباً وجعلت أرفعه أمام جمع من الناس قائلاً: هذا كتاب. فكل واحد من هذا الجمع إذا رآه علم أنه كتاب، لأنه أمر حاضر قريب، فتصديق كل واحدٍ من هؤلاء متساوٍ مع تصديق الآخرين في هذه الحالة، وكذا تصديق الناس بكون الشمس طالعة إذا كانوا يرونها.
أما إذا تعلق الأمر بخبر عن غائب، فإن الناس يتفاوتون في تصديقه وأغلب مسائل الإيمان إنما هي خبر عن غائب ـ كما هو معلوم.هـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني