الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فادعاء علم الغيب وتعاطي الأخبار عن المستقبل ومحاولة معرفة الأسرار، كل هذا من الكهانة المجمع على حرمتها، واسم الكاهن يشمل كل من يدعي ذلك ـ من منجم وعراف وضراب بالحصباء ونحو ذلك.
وقد سبق بيان معنى الكهانة وحكم تعاطيها وبيان أنه لا يعلم الغيب إلا الله، في الفتاوى التالية أرقامها: 49086، 17507، 41084، 55240.
وما ذكر في السؤال من حال ذلك الشخص لا يكون إلا من إيحاء الشياطين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير.
فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض، فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء. رواه البخاري ومسلم.
وراجع في ذلك الفتويين رقم: 122526، ورقم: 112440.
وقد يكون هذا من إخبار قرين السائل لقرين هذا الشخص المسئول عنه، فإن قرين الآدمي من الشياطين ملازم له، بل يجري منه مجرى الدم، فلا غرابة أن يخبر هذا القرين بما يعلم قرينا شيطانيا لشخص آخر، وهو بدوره يخبر صاحبه، وهذا إنما يحصل مع الكهان والسحرة ونحوهم، وقد سبق أن بينا ذلك في الفتوى رقم: 34858.
وقال الباحث: موسى بن محمد الزهراني في رسالته عن أولياء الصوفية: نجد في بعض البلاد يُقال للكاهن أنّه ولي وهو كاهن، إنما يخبر من طريق الجني، وهؤلاء وإنْ ظهرت على أيديهم خوارق، فإنما هي من الشياطين لتغوي الناس، شياطين الجن قد تُظهر للمرء بعض المعلومات، وقد تجعل له بعض الأحوال في مساعدتهم فيغتر الناس لذلك، والجن أقدرهم الله جل وعلا على بعض الأمور لا يقدرها البشر. اهـ.
ـ وعلى أية حال ـ فلا يتعارض هذا مع تشغيل مسجل لقراءة القرآن بالسيارة، فقد يكون هذا الرجل قد أخبر بهذه المعلومات قبل ركوبه السيارة، وقد يكون طرد الشياطين بتلاوة القرآن خاصا ببعض آياته وسوره، كآية الكرسي أو سورة البقرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم.
وفي صحيح ابن حبان عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل شيء سناما، وإن سنام القرآن سورة البقرة، ومن قرأها في بيته ليلا لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال، ومن قرأها نهارا لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام.
وقد يكون هذا خاصا ببعض أنواع الشياطين، ولذلك قال ابن حبان بعد رواية حديث سهل بن سعد السابق: قوله عليه الصلاة والسلام: لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام. أراد: مردة الشياطين. اهـ.
وقد يكون ذلك خاصا بتلاوتها باللسان لا بتشغيل المسجل بها، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 13445 .
بل قد يزيد الأمر على ذلك، فلا يحصل هذا الطرد بتمامه، إلا بقراءتها بحضور قلب وحسن توجه وتوكل على الله، لا سيما وقد أمرنا بالاستعاذة من الشيطان قبل قراءة القرآن، كما قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {النحل: 98}.
قال ابن حجر في فتح الباري: فيحتاج مع الاستعاذة إلى صحة التوجه، ولا يكفي إمرار الاستعاذة باللسان. اهـ.
والله أعلم.