الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلعل السائل الكريم يعني بالأصول الخمس، ما اصطلح أهل العلم على تسميته بالضروريات أو الكليات الخمس، وهي: الدين، والنفس، والعقل والنسب أو العرض، والمال، فإن كان هذا مراده، فهذه الكليات قد اتفقت الأديان السماوية وأصحاب العقول السليمة على احترامها وصيانتها، وجاءت الشريعة الإسلامية بمجموعة من التشريعات تصون هذه الضروريات، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 49522، قال الشاطبي في الموافقات: اتفقت الأمة ـ بل سائر الملل ـ على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس ـ وهي الدين والنفس والنسل والمال والعقل ـ وعلمها عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد. هـ.
فلا شك أن الإضرار بواحد من هذه الخمس أمر محرم، فإن مراعاتها من الضروريات التي لا تستقيم الحياة بدونها، قال الدكتور عبد الكريم زيدان في أصول الدعوة: استقراء نصوص الشريعة الإسلامية يدل دلالة قاطعة على أن ما حرمه الإسلام من فعل وترك وعاقب عليه يشتمل على أضرار محققة بالفرد والمجتمع، وتظهر هذه الأضرار بالمساس بالدين أو بالعقل أو بالنفس أو بالعرض أو بالمال، وما يترتب على ذلك من فساد وإخلال في المجتمع. هـ.
وقال ـ أيضا: عرف بالاستقراء والتأمل أن مصالح العباد تتعلق بأمور ضرورية أو حاجية أو تحسينية، فالأولى: هي التي لا قيام لحياة الناس بدونها، وإذا فاتت حل الفساد وعمت الفوضى واختل نظام الحياة.
وهذه الضروريات هي: حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال ـ وأحكام الشريعة كلها تحقق وتحفظ مصالح الناس المتعلقة بالضروريات والحاجيات والتحسينات، فبالنسبة للضروريات شرع للدين - لإقامته وتحقيقه – العبادات، وشرع لحفظه الجهاد وعقوبة المرتد، وزجر من يفسد على الناس عقيدتهم.
والنفس: شرع لإيجادها النكاح، وشرع لحفظها القصاص على من يعتدي عليها، وتحريم إلقاء النفس بالتهلكة ولزوم دفع الضرر عنها.
والعقل: شرع لحفظه تحريم الخمر وعقوبة شاربها.
والنسل: شرع لإيجاده الزواج، وشرع لحفظه عقوبة الزنا والقذف، وحرمة إجهاض المرأة الحامل.
والمال: شرع لتحصيله أنواع المعاملات ـ من بيع وشراء ونحو ذلك ـ وشرع لحفظه حرمة أكل مال الناس بالباطل أو إتلافه بلا وجه سائغ مشروع، والحجر على السفيه، وتحريم الربا وعقوبة السرقة. هـ.
ثم لابد من التنبه إلى أن الأمور التي حرمتها الشريعة للحفاظ على هذه الكليات الخمس، هي في ذاتها محرمة، فلو افترضنا أن شخصا ما سيرتكب إحدى هذه المحرمات مع مراعاة حفظ الضرورة التي شرعت لأجلها، فإن هذا لا يحل ـ أيضا ـ ومثال ذلك: من تناول قطرة من الخمر المحرمة، بحيث لا تضر ببدنه ولا تغيّب عقله، فهذا حرام، ويجب على فاعله الحد.
ولو وقعت مثل هذه القطرة في كوب من الماء لحكمنا بنجاسته وحرمة تناوله، مع كوننا نقطع بأنه لا يسكر.
ثم إن هذا الباب لو فتح لارتكب الناس أكثر المحرمات أو كثيرا منها بدعوى أنهم سيحتاطون لحفظ الكليات.
وأخيرا ننبه على أن أول وأعظم هذه الضرورات الخمس هي الدين، ولا يخفى أن حفظ الدين إنما يكون بالوقوف على حدود الله ومراعاة أحكام شريعته.
فإذا ثبت تحريم الشريعة للاستمناء وجب الامتناع عنه، حتى لو افترضنا أنه لا يضر البدن ولا يضيع الوقت ولا يبدد الجهد.
وبهذا يعلم السائل جواب ما سأل عنه من التنظيم المزعوم بين الاستمناء وبين هذه الكليات الخمس.
وقد سبق لنا بيان حرمة الاستمناء وما فيه من أضرار بدنية ونفسية في الفتاوى التالية أرقامها: 7170، 23868، 24126.
والله أعلم.