السؤال
أبلغ من العمر أربعين سنة وكذا شهر وموظف، لي تقريباً ستة عشر عاماً، وأريد أن أكمل دراستي الجامعية في تخصص لغة إنجليزية انتساب، وقد تم قبولي فيها مبدئياً. فهل علي إثم في اختيار هذا التخصص بالرغم أنني أود دراسة هذا القسم لأنني أحب اللغة ومستواي جيد، وأستطيع بإذن الله أن أحصل على الشهادة لكي أقارع رؤسائي كي أكون في مستواهم الجامعي، أيضاً أكون قدوة لأبنائي في الجد والاجتهاد، وأيضا لكي يقال عني أنني جامعي، علماً أنها لن تؤثر كثيرا في مستواي الوظيفي لأنني عندي وظيفة جيدة جداً وبراتب جيد، ولكن أرغب في الحصول على الشهادة للأسباب الآنفة الذكر. فهل علي محظور شرعي في ذلك حسب نيتي السابقة. علما أنني أفكر أن تكون عونا لي إذا الله أراد في الدعوة إلى الله عز وجل، ولكن ليست الهدف الرئيس الآن؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا بد هنا من التمييز بين مقامين: مقام الفريضة، ومقام الفضيلة. ونعني بالأول الحد الفاصل بين الحلال والحرام. ونعني بالثاني: طلب الأفضل والحرص على مزيد الثواب.
فبالنسبة للجانب الأول، فتعلم اللغة الإنجليزية مباح في الأصل، وقد يكون في بعض الأحيان فرض كفاية، إذا احتيج إليه في بعض أمور المسلمين ومصالحهم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 69919.
وعلى ذلك فلا حرج على السائل الكريم في تعلمها ومتابعة دراسته الجامعية في هذا المجال، ولو كان هدفه الأكبر من وراء ذلك لا يعدو بعض المصالح الدنيوية المعنوية. ولا يخفى أن هذا إنما هو في حق من حصل القدر الواجب عليه من العلوم الشرعية مما تصح به عبادته.
وأما بالنسبة للجانب الثاني، وهو مقام الفضيلة، فلا شك أن استغلال العمر والوقت في غير هذا أولى وأجدى، ولا شك أيضا أن تعلم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو أفضل ما توجهت الهمم إليه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 130606.
وقد سبق أن نبهنا في الفتوى رقم: 19730. على أن حاجة المسلمين ماسة في هذه الأيام إلى تعلم العلوم الشرعية، لقلة المقبلين عليها، وحاجة الناس إليها. وإن كان السائل الكريم لا يستطيع ذلك فليجتهد في استثمار وقته وجهده في عمل صالح ينفعه في آخرته، سواء كان أجره قاصرا عليه هو كالصلاة وتلاوة القرآن والذكر، أو متعديا كالسعي في مصالح المسلمين وقضاء حوائجهم. لا سيما وقد كفاه الله مؤونة الدنيا، فإن الشهادة الجامعية التي يريد الحصول عليها لن تفيده إلا بما وصف الله في كتابه فقال: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ* سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. {الحديد:20،21}.
فلتحرص أخي الكريم على امتثال أمر الله تعالى بالمسابقة في ما ينفعك في الآخرة، فإنما الدنيا ظل زائل ومتاع حائل، لا يبقى ولا يدوم. وهذا يتأكد في حق من بلغ سن الأربعين، وإلى هذا أشار قوله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. {الأحقاف: 15}.
وقد ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية عن القاسم بن عبد الرحمن قال: قلت لمسروق: متى يؤخذ الرجل بذنوبه؟ قال: إذا بَلَغْتَ الأربعين فَخُذْ حذرك.
والله أعلم.