السؤال
سألني عدد كثير من غير المسلمين عن حكم الصوم والصلاة بالنسبة للناس الذين يسكنون في قرين ليند حيث تطول الأيام كثيراً؟
سألني عدد كثير من غير المسلمين عن حكم الصوم والصلاة بالنسبة للناس الذين يسكنون في قرين ليند حيث تطول الأيام كثيراً؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهاهنا حالتان:
الحالة الأولى: من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع الفجر وغروب الشمس، إلا أن نهارها يطول جداً في الصيف، ويقصر في الشتاء، وجب عليه أن يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها المعروفة شرعاً، لعموم قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) [الإسراء:78].
وقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) [النساء:103].
ولما ثبت عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة؟ فقال له: "صل معنا هذين" يعني اليومين، فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: "أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله. قال: "وقت صلاتكم بين ما رأيتم" رواه البخاري ومسلم.
ففي اليوم الأول صلى الصلوات في أول الوقت، وفي اليوم الثاني أخرها إلى ما قبل خروج الوقت، ثم صلاها قبل أن يخرج وقتها، وأخبر أن الصلاة بين هذين الوقت.
إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس قولاً وفعلاً، ولم تفرق بين طول النهار وقصره، وطول الليل وقصره ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا بالنسبة لتحديد أوقات صلاتهم.
وأما بالنسبة لتحديد أوقات صيامهم شهر رمضان، فعلى المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب، وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع، ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيراً، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد.
وقد قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة:187].
ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات، أو التجربة، أو إخبار طبيب أمين أن الصوم يفضي إلى إهلاكه، أو إحداث مرض به، أو زيادة أو بطء برئه، فله أن يفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء.
قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة:185].
وقال الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة:286].
وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78].
الحالة الثانية: من كان يقيم في بلاد لا تغيب عنها الشمس صيفاً، ولا تطلع فيها الشمس شتاءً، أو في بلاد يستمر نهارها إلى ستة أشهر، ويستمر ليلها ستة أشهر مثلاً، فهؤلاء عليهم أن يصلوا الصلوات الخمس في كل أربع وعشرين ساعة، وأن يقدروا لها أوقاتها، وحددوها معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم تتمايز فيها أوقات الصلوات المفروضة بعضها من بعض.
وذلك لحديث طلحة بن عبيد الله قال: جاء رسول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات في اليوم والليلة. قال: هل عليّ غيرهن؟ قال: "لا إلا أن تطوع" رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
ولما حدث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن المسيح الدجال قالوا: ما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوماً، يومٌ كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم"، فقيل: يا رسول الله، اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له قدره" رواه مسلم.
فلم يعتبر اليوم الذي كسنة، أو اليوم الذي كشهر... يوماً واحداً يكفي فيه خمس صلوات، بل أوجب فيه خمس صلوات في كل أربع وعشرين ساعة، وأمرهم أن يوزعوها على أوقاتها اعتباراً بالأبعاد الزمنية التي بيَّن أوقاتها في اليوم العادي في بلادهم، فيجب على المسلمين في البلاد المسئول عن تحديد أوقات الصلوات فيها أن يحددوا أوقات صلاتهم معتمدين في ذلك على أقرب بلاد إليهم يتمايز فيها الليل من النهار، وتعرف فيها أوقات الصلوات الخمس بعلاماتها الشرعية في كل أربع وعشرين ساعة.
وكذلك يجب عليهم صيام شهر رمضان، وعليهم أن يقدروا لصيامهم فيحددوا بدء شهر رمضان ونهايته، وبدء الإمساك والإفطار في كل يوم منه ببدء الشهر ونهايته، وبطلوع الفجر كل يوم، وغروب شمسه في أقرب البلاد إليهم يتميز فيها الليل من النهار، ويكون مجموعها: أربعاً وعشرين ساعة، لما تقدم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال، وإرشاده أصحابه فيه إلى كيفية تحديد أوقات الصلوات فيه، إذ لا فارق في ذلك بين الصوم والصلاة، وبهذا التفصيل المذكور أفتت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني