السؤال
القاعدة الأصولية المقررة عندنا تقول إن أمر الله وأمر رسوله يفيد الوجوب ما لم تأت قرينة تصرفه للندبوعلى هذا: هل يعتبر وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة فرضا في قول الصحابي سهل بن سعد رضي الله عنه: كان الناس يؤمرون بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة؟ فكيف صرفها الفقهاء إلى المندوبات يعني أقل من الواجبات فضلا عن الأركان؟ هل هناك دليل صرف هذا الأمر للندب؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالقرينة الواضحة الدالة على عدم وجوب وضع اليمين على الشمال في الصلاة وأن الأمر الوارد في حديث سهل المذكور إنما هو للندب والاستحباب، هي حديث المسيء في صلاته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ما يجب عليه فيها، فاستنبط من ذلك كثير من العلماء أن ما سكت عنه فهو من السنن، وقد احتج من لم ير وضع اليمين على الشمال بحديث المسيء على عدم مشروعية ذلك.
قال النووي في شرح المهذب مجيبا عن احتجاجهم هذا بعد ما أورد طرفا وافيا من أدلة مشروعية القبض: وأما الجواب عن حديث المسيء صلاته فإن النبي صلي الله عليه وسلم لم يعلمه إلا الواجبات فقط. انتهى.
وأيضا فإنا لا نعلم أحدا من السلف قال بوجوب القبض المذكور، ولا ذهب إلى الوجوب أحد من الأئمة فيما نعلم، والعلماء الذين عنوا بتدوين الخلاف لم يذكروا إلا الخلاف بين من يقول بالمشروعية والاستحباب ومن لا يرى ذلك مشروعا، ولم يقل بالوجوب -فيما نعلم- أحد قبل الشوكاني رحمه الله، وهو محجوج بالإجماع قبله فإنه لم يذكر قائلا بهذا القول، وحديث المسيء كذلك مما يدل على ما ذكرناه وتقدمت الإشارة إليه، قال الشوكاني في شرح المنتقى في الكلام على حديث سهل المذكور: ( والحديث ) يصلح للاستدلال به على وجوب وضع اليد على اليد للتصريح من سهل بن سعد بأن الناس كانوا يؤمرون... ومع هذا فطول ملازمته صلى الله عليه وآله وسلم لهذه السنة معلوم لكل ناقل وهو بمجرده كاف في إثبات الوجوب عند بعض أهل الأصول فالقول بالوجوب هو المتعين إن لم يمنع منه إجماع... إلا أن من جعل حديث المسيء قرينة صارفة لجميع الأوامر الواردة بأمور خارجة عنه لم يجعل هذه الأدلة صالحة للاستدلال بها على الوجوب. انتهى باختصار، وبه تتبين لك القرينة الدالة على عدم الوجوب.
والله أعلم.