السؤال
زوجة ابني تسكن معنا، وهي تصلي وتصوم، ولكنها في الآونة الأخيرة تخرج من البيت شبه يومي، ولم يعجب أحد منا أو من الأهل أو من أهل الحارة هذا الحال الذين نصحوا ابني ولفتوا نظره كثير، ولكنه يبتسم (ببلاهة) فقرأت أنا عليه وعلى ماء أسقيته بعد أن تردد بين الناس أنه مسحور، علما بأنه يواظب على الصلوات، فهل من التجسس أم اتقاء الشبهات إن أرسلت شخصا ثقة ليخبرنا (أنا ووالده فقط أين تذهب سيما وأننا لم ندخر وسيلة لإصلاحها)؟ وربنا يوفقكم لما يحبه ويرضاه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل أن يحمل أمر المسلم على السلامة، وأن يحسن الظن به، فإن إحسان الظن بالمسلم من حقوقه على أخيه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نظر إلى الكعبة: مرحباً بك من بيت، ما أعظمك، وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم حرمة عند الله منك، إن الله حرم منك واحدة، وحرم من المؤمن ثلاثاً: دمه، وماله، وأن يظن به ظن السوء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وغيره: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث. متفق عليه.
ونذكر قبل هذا كله بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا.. {الحجرات:12}، قال العلامة ابن سعدي رحمه الله في تفسيره: نهى الله عز وجل عن كثير من الظن السيء بالمؤمنين حيث قال: إن بعض الظن إثم، وذلك كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، ثم قال رحمه الله: ولا تجسسوا. أي لا تفتشوا عن عورات المسلمين ولا تتبعوها، ودعوا المسلم على حاله، واستعملوا التغافل عن زلاته، التي إذا فتشت ظهر منها ما لا ينبغي. انتهى. فالظنون التي لا تستند على ما يبررها شرعاً لا تجوز للآية السابقة.
ولكنا نقول إن بدر من هذه المرأة ما يورث الريبة وغلب على ظنكم أن خروجها حينئذ لمواقعة ما لا يجوز، فيجوز لكم حينئذ التجسس عليها لردها عن هذا الإثم، جاء في تحفة المحتاج في شرح المنهاج: وليس لأحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون، نعم إن غلب على ظنه وقوع معصية، ولو بقرينة ظاهرة كإخبار ثقة جاز له، بل وجب عليه التجسس إن فات تداركها كالقتل أو الزنا وإلا فلا. انتهى.
وجاء في الأحكام السلطانية للماوردي: فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارات دلت، وآثار ظهرت فذلك ضربان: أحدهما: أن يكون في ذلك انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلاً خلا بامرأة ليزني بها أو برجل ليقتله، فيجوز له في مثل هذه الحالة أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث حذاراً من فوات ما لا يستدرك من انتهاك المحارم وارتكاب المحظورات، وهكذا لو عرف ذلك قوم من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف، والبحث عن ذلك والإنكار. انتهى. ويراجع في ذلك الفتوى رقم: 30115.
وفي النهاية ننبه على أنه يجب على ابنكم أن يقوم على زوجته بما أوجبه الله عليه من الحفظ والصيانة، وأن يبعدها عن مواطن التهم والريبة، وليحذر -إن هو أهمل ذلك- أن يقع في الدياثة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ثلاثة قد حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهل الخبث.
وقال في الموسوعة الفقهية: عرفت الدياثة بألفاظ متقاربة يجمعها معنى واحد لا تخرج عن المعنى اللغوي وهو عدم الغيرة على الأهل والمحارم. انتهى.. والدياثة من الذنوب الكبيرة كما بيناه في الفتوى رقم: 12581، والفتوى رقم: 56264.
والله أعلم.