السؤال
هذان بيتان للطريقة المدنية الصوفية:
وإنّنا لا نشرك بالله ... ولا نرى سواه من إله
بل نَشهدُ الكُلّ فناء وعدم ... إلاّ الإله كما كان في القِدم
هل المعنى هو إثبات وحدة الوجود والعياذ بالله؟
هذان بيتان للطريقة المدنية الصوفية:
وإنّنا لا نشرك بالله ... ولا نرى سواه من إله
بل نَشهدُ الكُلّ فناء وعدم ... إلاّ الإله كما كان في القِدم
هل المعنى هو إثبات وحدة الوجود والعياذ بالله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس في البيتين ما يشير إلى وحدة الوجود.
أما البيت الأول فواضح في تقرير معنى التوحيد وأنه لا إله إلا الله، فهو نفي لألوهية غير الله.
وأما البيت الثاني فهو يقرر فناء شهود سوى الله وهو غير فناء القائلين بوحدة الوجود. وهناك أيضا فناء عن إرادة السوى وهو أعلى من الفناء المذكور في البيت.
قال ابن القيم رحمه الله عن الفناء : وهذا الاسم يطلق على ثلاثة معان: الفناء عن وجود السوى، والفناء عن شهود السوى، والفناء عن إرادة السوى.
فأما الفناء عن وجود السوى فهو فناء الملاحدة القائلين بوحدة الوجود وأنه ما ثم غير وأن غاية العارفين والسالكين الفناء في الوحدة المطلقة ونفي التكثر والتعدد عن الوجود بكل اعتبار فلا يشهد غيرا أصلا بل يشهد وجود العبد عين وجود الرب بل ليس عندهم في الحقيقة رب وعبد...
وأما الفناء عن شهود السوى فهو الفناء الذي يشير إليه أكثر الصوفية المتأخرين ويعدونه غاية ...
وليس مرادهم فناء وجود ما سوى الله في الخارج بل فناؤه عن شهودهم وحسهم، فحقيقته غيبة أحدهم عن سوى مشهوده بل غيبته أيضا عن شهوده ونفسه لأنه يغيب بمعبوده عن عبادته وبمذكوره عن ذكره وبموجوده عن وجوده وبمحبوبه عن حبه وبمشهوده عن شهوده .... (من مدارج السالكين مع الحذف)
ولما رأى الصادق في طريقه السالك إلى ربه أكثر أصحاب الفرق محجوبين على هذا المقام مشتتين في أودية الفرق وشهدوا نقصهم ورأوا ما هم فيه من الفناء أكمل ظنوا أنه لا كمال وراء ذلك وأنه الغاية المطلوبة، فمن هنا جعلوه غاية، ولكن أكمل من ذلك وأعلى وهو الفناء عن عبادة السوى وإرادته، وخشيته ورجائه والتوكل عليه والسكون إليه، فيفنى بعبادة ربه ومحبته وخشيته ورجائه والتوكل عليه وبالسكون إليه عن عبادة غيره وعن محبته ورجائه والتوكل عليه مع شهود الغير ومعاينته، فهذا أكمل من فنائه عن عبودية الغير ومحبته مع عدم شهوده له وغيبته عنه، فإذا شهد الغير في مرتبته أوجب شهوده له زيادة في محبة معبوده وتعظيما له وهروبا إليه وضنا به فإن نظر المحب إلى مبادي محبوبه ومضاده يوجب زيادة حبه له ... (طريق الهجرتين)
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني