السؤال
لم أحلف بالطلاق أبدا في حياتي إلا مرة واحدة، وحدثت دون قصد، فكان أحد أصدقائي يحكي لي أنه رأى حادث سيارة منذ أيام، فقلت له دون أن أدري علي الطلاق بالثلاثة أنت خفت مما رأيته في حادث السيارة، ولكن صديقي لم يرد علي لا بالموافقة ولا بالرفض. علما بأنني أصلا لا أدري لماذا حلف بالطلاق، وأنني لم أحلف أبدا بالطلاق، وهل ينطبق الحلف بالطلاق على شيء في الماضي؟ أم التعليق على شيء سيقع في المستقبل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان المقصود بكونك قد نطقت بالطلاق وأنت لا تدري هو أنك لم تقصد التلفظ به بل سبق لسانك إليه ففي هذه الحالة لا يلزمك شيء عند جمهور أهل العلم ففي الموسوعة الفقهية الكويتية:
من قال لزوجته اسقيني فجرى على لسانه أنت طالق, فإن الطلاق لا يقع عند الشافعية والحنابلة, لعدم القصد ولا اعتبار للكلام بدون القصد. وقال الحنفية: يقع به الطلاق وإن لم يكن مختارا لحكمه لكونه مختارا في التكلم, ولأن الغفلة عن معنى اللفظ أمر خفي وفي الوقوف على قصده حرج. وقال المالكية: المراد من القصد قصد النطق باللفظ الدال عليه في الصريح والكناية الظاهرة وإن لم يقصد مدلوله وهو حل العصمة، وقالوا: إن سبق لسانه بأن أراد أن يتكلم بغير الطلاق, فالتوى لسانه فتكلم بالطلاق فلا شيء عليه إن ثبت سبق لسانه في الفتوى والقضاء, وإن لم يثبت فلا شيء عليه في الفتوى ويلزمه في القضاء .انتهى
وإن كان المقصود أنك قد قصدت التلفظ بالطلاق لكنك لا تنوي إيقاعه، فهذا لا ينفعك ـ عند الجمهور ـ لأن الطلاق الصريح يقع بدون نية.
وعلى هذا فعليك سؤال صديقك، فإن صرح بخوفه مما حصل فلا شيء عليك لعدم حصول المعلق عليه، وإن صرح بعدم خوفه فقد وقع الطلاق ثلاثا عند جمهور أهل العلم بمن فيهم المذاهب الأربعة، وهو القول الراجح، وبذلك تكون زوجتك قد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك نكاحا صحيحا نكاح رغبة لا نكاح تحليل ثم يطلقها بعد الدخول.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ومن وافقه: تكفيك كفارة يمين إن كنت لا تقصد طلاقا، وإن قصدته لزمتك طلقة واحدة فقط.
وإن تعذرت معرفة حالة صديقك هل خاف من الحادث المذكور أم لا فلا يلزمك شيء؛ لأن الحنث مشكوك فيه، والأصل بقاء العصمة فلا تنقطع إلا بيقين، ويشهد لهذا ما ذكره ابن قدامة في المغني: إذا رأى رجلان طائراً فحلف بالطلاق أنه غراب وحلف الآخر بالطلاق إنه حمام فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بحنث واحد منهما لأن يقين النكاح ثبت ووقوع الطلاق مشكوك فيه. انتهى
والطلاق يصح تعليقه بأمر ماض كما يصح تعليقه بأمر مستقبل، وفي كلتا الحالتين يقع إذا وقع المعلق عليه عند الجمهور، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية فيه كفارة يمين إن كان الحالف لا يقصد طلاقا. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 57430.
والله أعلم.