السؤال
أبي يبلغ من العمر السبعين عاماً، ولا يعيش معنا في نفس البلد، بل تركنا وذهب للعيش في بلدنا الأصلي، وهو لا يعمل، ويعتمد في دخلة علينا نحن أبناءه، وقد سبق له الزواج من قبل عدة سنوات على الوالدة، ونتج عن ذاك الزواج طفلان، والآن قامت الزوجة الثانية بطلب الطلاق وذلك لقسوته معها وإساءته لها، مع العلم أنه قد كان يوفر حياة جيدة لها، واستفادت مادياً منه وقام بفتح محل باسمها، وبعدها طلبت الطلاق، وذلك بالأموال التي كنا نرسلها له، وقامت المحكمة بتطليقها لما ذكرته من أسباب، والآن هو يريد الزواج مرة أخرى، ويرغب بأن نساعده وأن نوفر له المال لكي يتمكن من ذلك، ونحن حالتنا المادية لا تسمح لنا بأن نساعده في زواجه، ومساعدته في دفع نفقة مطلقته وأبنائه منها، وهو لا يعمل وليس له دخل ثابت إلا ما نرسله له شهرياً، والوالدة ترفض أن نساعده، والآن نحن بين نارين نار رضا والدنا ونار رضا أمنا فما العمل؟
وهل سآثم إن قطعت عنه المساعدة نظراً لرفضي القاطع بزواجه مرة أخرى على أمي؟
فقد قالت لي إحدى الأخوات أن البنات والنساء غير ملزمات ومجبورات على مساعدة أحد الرجال في العائلة مادياً، وأن مالها ملكها ولها أن تتصرف فيه كما تشاء.
أفيدونا أفادكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنفقة الوالد الفقير واجبة على أولاده بلا خلاف، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. المغني لابن قدامة.
ويشترط لوجوب الإنفاق أن يجد الولد ما ينفقه زائداً عما يحتاج إليه، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابدأ بنفسك. رواه مسلم.
فإذا كان الولد موسراً وجب عليه الإنفاق على والده الفقير بالمعروف، وإذا اجتمع من الأولاد الموسرين ذكور وإناث، فالراجح أنّ النفقة تجب على الذكور والإناث ولا تختص بالذكور، قال ابن قدامة: وإن اجتمع ابن وبنت فالنفقة بينهما أثلاثا كالميراث وقال أبو حنيفة: النفقة عليهما سواء لأنهما سواء في القرب ...... وقال الشافعي .....: النفقة على الابن لأنه العصبة ....... ولنا قول الله تعالى: { وعلى الوارث مثل ذلك }. المغني باختصار.
فالواجب عليكم الإنفاق على أبيكم بالمعروف ما دام محتاجاً، ولا طاعة لأمكم في منع النفقة عنه إن أمرتكم بذلك، فإن الطاعة إنما تكون في المعروف.
وإذا كان محتاجاً للزواج لإعفاف نفسه، كما لو كانت أمكم كبيرة أو مريضة أو نحو ذلك، فالواجب عليكم تزويجه ولو رفضت أمّكم، فإن إعفاف الأب واجب على أولاده الموسرين كما بينّا ذلك في الفتوى رقم: 53116.
وأمّا إذا كان الإعفاف حاصلا له بأمّكم فلا يجب عليكم تزويجه، لكن يستحبّ لكم إعانته لما في ذلك من برّه والإحسان إليه، فإذا كانت إعانتكم له تغضب أمّكم، فينبغي أن تجتهدوا في الجمع بين برّ الأمّ و الأب وطاعتهما، إمّا بإقناع الأمّ بالموافقة على هذا الزواج، أو كتمان أمر المعاونة عنها واستعمال التورية والتعريض في الكلام أو غير ذلك من الحيل.
والله أعلم.