السؤال
أرغب في معرفة حكم الدين في ذلك الأمر، وهو علاقتي بأمي، هل لا بد من وجود تحاور بيننا أو أني أكلمها وأحكي معها هذا فرض علي، أم أن أسمع كلامها إذا طلبت مني عمل شيء، أو كانت مريضه فأقف بجانبها وأدعو لها، يعني إذا كنت أطيعها وأقف بجانبها وقت المرض، لكن لا أحكي معها كثيراً، ما حكم الدين في ذلك؟ هل هذا براحتي، وإذا كان هذا طبعي أكون معذورة، وكذلك مع إخوتي، هل لا بد من وجود تحاور ونقاش أم نساعد بعضا في حالة الضرورة، أو نكلم بعضا في حالة الضرورة؟ وشكراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبر الوالدين من أعظم الواجبات ومن أفضل القربات، كما أن عقوقهما من أكبر الكبائر، وبر الأم آكد من بر الأب، فإن لها ثلاثة أرباع البر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك. متفق عليه.
فالواجب عليك بر أمك وطاعتها في المعروف، أما عن تحاورك وكثرة محادثتك لها، فليس ذلك بواجب عليك، إلا إذا كانت أمك تتأذى من قلة المحادثة لها، فيجب عليك محادثتها حينئذ ومؤانستها بما لا إثم فيه، ما لم يكن عليك ضرر. قال القرافي في الفروق: وذلك أن ضابط ما يختص به الوالدين دون الأجانب أمور: .... الثاني: وجوب اجتناب مطلق الأذى كيف كان إذا لم يكن فيه ضرر على الابن.
وعلى كل حال، فإن محادثتك لها إذا كانت تؤنسها وتدخل عليها السرور فهي مطلوبة، وينبغي لك أن تحرصي على كل ما يسرها، فإن ذلك من تمام البر والإحسان إليها، وهو من أقرب السبل لمرضاة الله.
أما إخوتك وغيرهم من أرحامك فلا يلزمك محاورتهم، وإنما يكفي ما تزول به المقاطعة والهجران، لكن صلة الرحم لها درجات، فمن أراد الترقي فليتودد بما يقدر عليه من المعروف. قال القاضي عياض: وللصلة درجات بعضها أرفع من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، ولو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لا يسمى قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له أن يفعله لا يسمى واصلاً. نقله العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري.
واعلمي أن الأخلاق تكتسب بالتعود والتمرين، فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه. رواه الخطيب في تاريخه وحسنه الألباني.
وما كان خارجاً عن قدرة العبد فلا مؤاخذة عليه، لقوله تعالى: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
والله أعلم.