السؤال
هل يجب تجديد الوضوء إذا قطعت الصلاة بسبب الضحك القوي الذي من الشيطان، أو تذكرت أنني لم أكبر تكبيرة الإحرام، أو أي أسباب لا تتعلق بالغازات، أو نزول البول؟
هل يجب تجديد الوضوء إذا قطعت الصلاة بسبب الضحك القوي الذي من الشيطان، أو تذكرت أنني لم أكبر تكبيرة الإحرام، أو أي أسباب لا تتعلق بالغازات، أو نزول البول؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:
فمن أحدث في صلاته بأن ارتكب ما ينقض الوضوء فيها؛ فقد أبطل صلاته، ولزمه إعادة الوضوء، والصلاة، إن كانت الصلاة واجبة.
وأما من أبطل صلاته بغير الحدث، كأن تكلم فيها عمدًا، أو التفت بجميع بدنه عن جهة القبلة، أو غير ذلك من مبطلات الصلاة المعروفة في كتب الفقه، فإن صلاته هي التي تبطل فقط، ولا يبطل معها وضوؤه، فيلزمه على ذلك استئناف صلاته، إن كانت واجبة.
أما القهقهة في الصلاة، فلا تبطل الوضوء في قول جماهير أهل العلم، وهو الراجح، قال النووي في شرح المهذب: واختلف العلماء في الضحك في الصلاة، إن كان بقهقهة: فمذهبنا، ومذهب جمهور العلماء أنه لا ينقض. وبه قال ابن مسعود، وجابر، وأبو موسى الأشعري، وهو قول جمهور التابعين، فمن بعدهم.
وروى البيهقي عن أبي الزناد قال: أدركت من فقهائنا الذين يُنتهى إلى قولهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وأبا بكر بن عبد الرحمن، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، ومشيخة جِلَّة سواهم، يقولون: الضحك في الصلاة ينقضها، ولا ينقض الوضوء.
قال البيهقي: وروينا نحوه عن عطاء، والشعبي، والزهري، وحكاه أصحابنا عن مكحول، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وداود.
وقال الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وأبو حنيفة: ينقض الوضوء، وعن الأوزاعي روايتان.
وأجمعوا أن الضحك إذا لم يكن فيه قهقهة، لا يبطل الوضوء، وعلى أن القهقهة خارج الصلاة، لا تنقض الوضوء.
واحتج للقائلين بالنقض في الصلاة بما روي عن أبي العالية، والحسن البصري، ومعبد الجهني، وإبراهيم النخعي، والزهري: أن رجلًا أعمى جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فتردّى في بئر؛ فضحك طوائف من الصحابة. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة.
وعن عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم: الضحك في الصلاة قرقرة، يبطل الصلاة والوضوء. ولأنها عبادة يبطلها الحدث؛ فأبطلها الضحك، كالصلاة.
واحتج أصحابنا بحديث جابر. وبأن الضحك لو كان ناقضًا، لنقض في الصلاة وغيرها، كالحدث. ولأنها صلاة شرعية، فلم ينقض الضحك فيها الوضوء، كصلاة الجنازة، فقد وافقوا عليها. وذكر الأصحاب أقيسة كثيرة، ومعاني.
والمعتمد أن الطهارة صحيحة، ونواقض الوضوء محصورة، فمن ادّعى زيادة؛ فليثبتها. ولم يثبت في النقض بالضحك شيء أصلًا.
وأما ما نقلوه عن أبي العالية ورفقته، وعن عمران، وغير ذلك مما رووه، فكلها ضعيفة واهية باتفاق أهل الحديث. قالوا: ولم يصح في هذه المسألة حديث. وقد بيّن البيهقي، وغيره وجوه ضعفها بيانًا شافيًا، فلا حاجة إلى الإطالة بتفصيله، مع الاتفاق على ضعفها.
وأما قياسهم فلا يصح؛ لأن الأحداث لا تثبت قياسًا؛ لأنها غير معقولة العلة، كما سبق. ولو صح لكان منتقضًا بغسل الجنابة، فإنه يبطله خروج المني، ولا يبطله الضحك في الصلاة بالإجماع.
قال ابن المنذر بعد أن ذكر اختلاف العلماء فيه: وبقول من قال: لا وضوء نقول؛ لأنا لا نعلم لمن أوجب الوضوء حجة. قال: والقذف في الصلاة عند من خالفنا، لا يوجب الوضوء، فالضحك أولى. انتهى.
واعلم أن تعمّد إبطال صلاة الفريضة، لا يجوز لغير عذر؛ لقوله تعالى: وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ {محمد:33}.
وأما تعمّد إبطال النافلة، ففيه خلاف بين أهل العلم، ولا ينبغي الإقدام عليه من غير مسوّغ شرعي؛ خروجًا من الخلاف، وراجع الفتويين: 96382، 136577.
وأما من لم يكبّر تكبيرة الإحرام، فإنه لم يدخل في الصلاة أصلًا، فعليه أن يستأنف صلاته؛ لأنه لم يشرع فيها، ولا يلزمه إعادة الوضوء.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني