الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أنه لا تعارض بين نية الوتر ونية قيام الليل، فإن الوتر من قيام الليل بلا شك، وإنما اختلف العلماء فيما ينوى بالركعات التي تصلى قبل الوتر، فمنهم من قال ينوي بها التطوع المطلق وينوي بالواحدة المنفصلة أو الثلاث أو الخمس أو السبع أو التسع المتصلات أنها وتر، فإن الوتر اسم لها لا لما قبلها من الصلاة، وهو ظاهر كلام ابن القيم.
ومنهم من قال ينوي بالركعات التي قبل الوتر أنها من الوتر، والوتر اسم لمجموع هذه الصلاة المختومة بالوتر، وقد استقصينا الخلاف في هذه المسألة وبسطنا كلام العلماء فيها بما لا حاجة بنا إلى إعادته في الفتوى رقم: 133776، وانظر أيضا الفتوى رقم: 133913.
واعلم أن صلاة الليل لا حد لأكثرها بل مهما زاد العبد من الصلاة وأكثر منها فهي زيادة خير، قال في حاشية الروض: صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر بلا نزاع. انتهى.
وعليه، فإنك تصلي من الليل ما شئت تطوعا مطلقا ثم توتر في آخر صلاتك على إحدى الكيفيات المشروعة في الوتر، إما بواحدة أو بثلاث متصلة أو منفصلة أو بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة، وما قبل الوتر فهو من قيام الليل، فتنوي به قيام الليل.
قال الشيخ العثيمين رحمه الله: والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية:
أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلاً سال النبي صلى الله عليه وسلم كيف صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة". رواه البخاري.
وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر. رواه البخاري.
ورواه مسلم بلفظ: كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت.
وروى عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها.
وروى عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعناً.
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه وهو رواية عن أحمد ذكرها في الإنصاف والفروع قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة.
والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك؛ والشافعي.
وأما صلاة ا لليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي فتح الباري: ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه". اهـ .
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية: فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة فتشهد، ثم قام قبل أن يسلم فيصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذا ما قاله صاحب زاد المستقنع. انتهى
وعليه، فإنك تصلي من الليل ما شئت تطوعا مطلقا بنية قيام الليل، ثم تصلي الوتر على صفة من صفاته التي بينها العلماء، ولكن لا ينبغي أن تزيد في الوتر على إحدى عشرة ركعة، فقد منع كثير من العلماء من الزيادة في الوتر على إحدى عشرة ركعة، وأما التنفل المطلق فبابه واسع، وعلى هذا فإن نويت بالركعات التي قبل الركعة الأخيرة أنها من الوتر فلا ينبغي أن يزيد مجموع ما توتر به على إحدى عشرة أو ثلاثة عشرة. قال في مغني المحتاج: وأدنى الكمال ثلاث وأكمل منه خمس ثم سبع ثم تسع ثم إحدى عشرة وهي أكثره، كما قال ( وأكثره إحدى عشرة ) للأخبار الصحيحة منها خبر عائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة
فلا تصح الزيادة عليها كسائر الرواتب، فإن أحرم بالجميع دفعة واحدة لم يصح، وإن سلم من كل ركعتين صح غير الإحرام السادس فلا يصح وترا.
ثم إن علم المنع وتعمد فالقياس البطلان وإلا وقع نفلا كإحرامه بالصلاة قبل وقتها غالطا.
( وقيل ) أكثره ( ثلاث عشرة ) ركعة لأخبار صحيحة تأولها الأكثرون بأن من ذلك ركعتي سنة العشاء، قال المصنف وهو تأويل ضعيف مباعد للأخبار.
قال السبكي: وأنا أقطع بحل الإيتار بذلك وصحته ولكن أحب الاقتصار على إحدى عشرة فأقل لأنه غالب أحواله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
والله أعلم.