السؤال
أنتم قلتم في فتوى رقم: (136345) في ما يتعلق بالغسل الشرعي ما يلي: كما أنه إذا نوى الوضوء ثم عمم بدنه بالماء فإن ذلك لا يجزئه أيضا على الصحيح لأن الترتيب بين أعضاء الوضوء من فرائضه، إلا إذا انغمس في الماء أو تواصل صب الماء عليه، ومكث على تلك الحال زمنا يكفي لوقوع الوضوء مرتبا، وهذا الزمن قد قال بعضهم بأنه لحظات لطيفة كما قال النووي.طبعا هذا يتعلق بالغسل المسنون أو غسل النظافة أو التبرد.
لكن سؤالي هو كالتالي: كيف سيجزىء ذلك الانغماس أو الصب المتتالي على رأي من يقول إن المضمضة والاستنشاق ركن في الوضوء والغسل (وهذا الذي أخذت به وأعمل به)؟ وما المقصود بصب الماء عليه لم أفهم هذه الصورة كيف تكون، وأخيرا هذه اللحظة اللطيفة ما مقدارها لم أفهم ذلك أيضاً؟وأرجوا أن تراعوا أني آخذ بالمذهب الحنبلي في هذه الأمور ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما شرح ما ذكرناه من كلام الشافعية فإنه واضح، فإن الأصح عندهم أنه لو اغتسل محدث حدثا أصغر بأن انغمس في ماء بنية رفع الحدث الأصغر فإنه يرتفع حدثه بذلك، لأن الماء يكون قد لاقى وجهه بنية رفع الحدث ثم يكون قد لاقى يديه مع وجود تلك النية وهكذا.
قال في مغني المحتاج مبينا وجه هذه المسألة والخلاف بين الشافعية فيها: ( ولو اغتسل محدث ) حدثا أصغر فقط بنية رفع الحدث أو نحوه ولو متعمدا، أو بنية رفع الجنابة أو نحوها غالطا ورتب فيهما أجزأه أو انغمس بنية ما ذكر ( فالأصح أنه إن أمكن تقدير ترتيب بأن غطس ومكث ) قدر الترتيب ( صح ) له الوضوء لأن الترتيب حاصل بذلك لأنه إذا لاقى الماء وجهه وقد نوى يرتفع الحدث عنه وبعده عن اليدين لدخوله وقت غسلهما وهكذا إلى آخر الأعضاء.
والثاني لا يصح لأن هذا الترتيب أمر تقديري لا تحقيقي ولهذا لا يقوم الغمس في الماء الكثير مقام العدم في النجاسة المغلظة. ( وإلا ) أي وإن لم يمكث قدر الترتيب بأن غطس وخرج في الحال أو غسل الأسافل قبل الأعالي كما في المحرر. ( فلا ) يصح لأن الترتيب من واجبات الوضوء والواجب لا يسقط بفعل ما ليس بواجب.
ووجه مقابله أن الغسل أكمل من الوضوء فلذلك قال ( قلت: الأصح الصحة بلا مكث والله أعلم ) لأنه يكفي لرفع أعلى الحدثين فللأصغر أولى ولتقدير الترتيب في لحظات لطيفة هذا إذا لم يغتسل منكسا بالصب عليه وإلا لم يحصل له سوى الوجه كما مر. انتهى.
ومثل الانغماس ما لو وقف تحت الماء الذي ينصب عليه زمنا يتسع لحصول هذا الترتيب تقديرا.
وأما الحنابلة فإنه لا بد عندهم من الترتيب إلا أن ينغمس في ماء جار فتمر عليه أربع جريات فيجزئه ذلك عن الوضوء، وأما إذا انغمس في ماء راكد وكان قد نوى الوضوء فإنه لا يرتفع إلا حدث الوجه فقط، هذا هو الصحيح من المذهب، وفي المذهب قول كقول الشافعية.
قال صاحب الإنصاف: فائدة: اعلم أن الواجب عند الإمام أحمد والأصحاب الترتيب لا عدم التنكيس فلو وضأه أربعة في حالة واحدة لم يجزئه، ولو انغمس في ماء جار ينوي رفع الحدث فمرت عليه أربع جريات أجزأه إن مسح رأسه، أو قيل بإجزاء الغسل عن المسح على ما يأتي ولو لم يمر عليه إلا جرية واحدة لم يجزه وهذا الصحيح من المذهب. قال المصنف ومن تبعه: ونص أحمد في رجل أراد الوضوء فانغمس في الماء ثم خرج فعليه مسح رأسه وغسل قدميه قال: وهذا يدل على أن الماء إذا كان جاريا فمرت عليه جرية واحدة أنه يجزيه مسح رأسه وغسل رجليه. انتهى.
وإن كان انغماسه في ماء كثير راكد فإن أخرج وجهه ثم يديه ثم مسح برأسه ثم خرج من الماء مراعيا للترتيب أجزأه على الصحيح من المذهب. نص عليه وجزم به ابن عقيل، وقدمه في المغني والشرح ومجمع البحرين، والفروع وابن تميم والزركشي وابن رزين وابن عبيدان وغيرهم، وتقدمت الرواية التي ذكرها المصنف وقيل: إن مكث فيه قدرا يتسع للترتيب وقلنا يجزيه غسل الرأس عن مسحه أو مسحه ثم مكث برجليه قدرا يسع غسلهما أجزأه. قال المجد في شرحه: وهو الأقوى عندي. وقال في الانتصار: لم يفرق أحمد بين الجاري والراكد وإن تحركه في الراكد يصير كالجاري فلا بد من الترتيب. انتهى.
والخلاصة أن تعميم البدن بالماء لا يكفي عند الحنابلة إلا إن وجدت نية رفع الحدث مع الترتيب، ولا يحصل الترتيب بمجرد الانغماس في الماء الراكد على الصحيح من المذهب، وأما المضمضة والاستنشاق فهما عند الحنابلة واجبان، فلو اغتسل غسلا صحيحا عن جنابة أو غسل تنظف وتوضأ فيه مرتبا أو توضأ في غير غسل وترك المضمضة والاستنشاق فوضوءه غير صحيح ويلزمه إعادته إذا فاتت الموالاة لأنها عندهم واجبة، وهذا واضح لا خفاء به.
والله أعلم.