السؤال
أشكركم أولا على ما تقومون به من إعانة للمسلمين على حوائجهم الدينية والدنيوية.فأنا شاب ممن حاول الالتزام بدين الله عز و جل منذ حوالي 4 سنوات، قد تعرض لي الشيطان ونفسي الأمارة ليصدوني عن سبيل الله، وكنت في بداية الامر أقع في شيء من الذنوب، ولكن سرعان ما كنت أتدارك ذلك بالتوبة الى الله عز و جل إلى أن من الله علي بالزواج. وأنا الآن أريد أن أحقق أهدافا معينة متعلقة بديني، فأحببت أن أتواصل معكم حتى توجهوني فأكون على بصيرة من أمري. فأهدافي هي طلب علم العقيدة والفقه والمصطلح، ثم حفظ كتاب الله عز وجل لكني أعاني مما يلي:1ـ تثبيط الشيطان لي عن هذا، وذلك بتذكيري بما مضى من الذنوب، وبأن مثلي لن يطلب العلم وأنا أعلم من نفسي أني قادر على تعلمه، وقد كنت متفوقا في دراستي في علوم نظرية أظنها تحتاج إلى فهم وجهد أكبر مما تحتاجه العلوم الشرعية.2ـ عملي كمهندس لا يتيح لي كثيرا من الوقت، فإذا طلبت شيئا من العلم تخليت عن حفظ القرآن، وإذا ركزت على حفظ القرآن تركت طلب العلم.3ـ لا بد لي أيضا من تخصيص وقت لتربية نفسي على طاعة الله عز وجل.أسئلتي هي كما يلي:1ـ هل الواجب علي طي صفحة الماضي لأن التفكير فيه يفوت علي كثيرا من المصالح ويشعرني أني سأفشل في كل مهمة جديدة.2ـ كيف أتخلص من شرود الذهن وتسلط الشيطان والتفكير في ذنوب الماضي وفي المشاكل المتعلقة بضيق الوقت وباليأس من النفس والخوف من الفشل والفتور؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يتم عليك نعمته، وأن يديم عليك هدايته، وأن يجعلك من أهل القرآن، وأن يعلمك ما ينفعك وأن ينفعك بما علمك.
ثم اعلم أخانا الكريم أن العبد إن تاب توبة نصوحا، جامعة لشروط قبولها، من الندم على ما سلف، والإقلاع عنه خوفا من الله تعالى وتعظيما له وطلبا لمرضاته، والعزم الصادق على عدم العودة إليه أبدا، فلا يضره بعد ذلك نسيان هذا الذنب، بل إنا نقول: إن تذكر التائب لذنوبه السالفة لا يحمد إلا بقيدين:
الأول: أن يكون حاملا له على الإكثار من الحسنات الماحيات، ومجددا لمعاني التوبة وأنواع العبودية التي تستلزمها، من الخشية والإنابة والإخبات والحياء ونحو ذلك.
الثاني: أن لا يكدر عليه صفو طاعة أكبر، ولا يشغله عن حال أفضل، قال ابن القيم في (مدارج السالكين): من حصل له مقام أنس بالله وصفا وقته مع الله بحيث يكون إقباله على الله واشتغاله بذكر آلائه وأسمائه وصفاته أنفع شيء له حتى نزل عن هذه الحالة واشتغل بالتوبة من جناية سالفة قد تاب منها، وطالع الجناية واشتغل بها عن الله، فهذا نقص ينبغي له أن يتوب إلى الله منه، وهو توبة من هذه التوبة، لأنه نزول من الصفاء إلى الجفاء اهـ.
وهذا يحل إشكال شرود الذهن واليأس من النفس والخوف من الفشل وتسلط الشيطان، بسبب التفكير في ذنوب الماضي، فإن كيد الشيطان يبلغ بالعبد أن يحثه على أمر فاضل نافع؛ ليفوت عليه ما هو أفضل منه وأنفع له.
فإذا تقرر هذا فليعرض السائل الكريم عن هذه الوساوس، وليقبل على طاعة الله ويجتهد في فعل ما ينويه من الخير، سواء في حفظ القرآن أو طلب العلم أو تهذيب النفس بالعبادة.
وأما ما يتعلق بضيق الوقت، فهذا إن كان هو الواقع، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وعليك حينئذ بترجيح الأنفع والأهم من العلوم والبداءة به، وتنظيم الوقت المتيسر ليتسع لما يمكن الجمع بينه من أنواع الفضائل، وقد سبق لنا بيان الوسائل المساعدة على الحفظ في الفتويين رقم: 8563، 67164.
كما سبق لنا بيان الخطوط والآداب الأولية للمبتدئ في طلب العلم، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 20215، 4131، 18607.
وكذلك مسألة الفتور في العبادة وطلب العلم، قد سبق لنا بيان عوامله وكيفية علاجه، وبيان وسائل تقوية الإيمان وكيفية المحافظة على الهداية والاستقامة، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 117572، 17666، 124567، 131435، 10800، 1208، 30035.
والله أعلم.