السؤال
هل التثويب في صلاة الصبح ـ أعني قول المؤذن: الصلاة خير من النوم ـ مستحب أم واجب؟ وإذا كان مستحبا لا يبطل الأذان بتركه، فكيف يتوافق هذا مع القاعدة الأصولية: أن الأمر يقتضي الوجوب؟ وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا بالتثويب.
أرجو سرعة الرد.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالتثويب في أذان صلاة الصبح مشروع عند الجمهور، لأحاديث صحيحة دالة على ذلك، وقد ذهب بعض العلماء إلى كراهته، ولكن الجمهور على القول بمشروعيته، وقد بين الخلاف العلامة الشوكاني في شرح المنتقى مع ذكر دليل المشروعية، فقال ما عبارته: وقد روي إثبات التثويب من حديث أبي محذورة قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأذان وقال: إذا كنت في أذان الصبح فقلت حي على الفلاح، فقل الصلاة خير من النوم.
أخرجه أبو داود وابن حبان مطولا من حديثه، وفيه هذه الزيادة، وفي إسناده محمد بن عبد الملك ابن أبي محذورة وهو غير معروف الحال، والحارث بن عبيد وفيه مقال.
وذكره أبو داود من طريق أخرى عن أبي محذورة، وصححه ابن خزيمة من طريق ابن جريج، ورواه النسائي من وجه آخر، وصححه ـ أيضا ـ ابن خزيمة، ورواه بقي بن مخلد.
وروى التثويب ـ أيضاـ الطبراني والبيهقي بإسناد حسن عن ابن عمر بلفظ: كان الأذان بعد حي على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين. قال اليعمري: وهذا إسناد صحيح.
وروى ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي عن أنس أنه قال: من السنة: إذا قال المؤذن في الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم. قال ابن سيد الناس اليعمري: وهو إسناد صحيح.
وفي الباب عن عائشة عند ابن حبان، وعن نعيم النحام عند البيهقي، وقد ذهب إلى القول بشرعية التثويب عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري وابن سيرين والزهري ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأصحاب الشافعي، وهو رأي الشافعي في القديم، ومكروه عنده في الجديد، وهو مروي عن أبي حنيفة. انتهى.
والقائلون بمشروعيته اختلفوا، فجمهورهم ذهب إلى أنه مسنون ـ فقط ، لا يبطل الأذان بتركه، والقرينة التي يستدل بها على صرف الأمر من الوجوب إلى الندب: هي أن الأمر بالتثويب لم يرد في حديث عبد الله بن زيد وهو العمدة في الأذان، فوروده في غيره يقتضي استحبابه جمعا بين الأدلة، وبعدم ورود التثويب في حديث عبد الله بن زيد استدل من لم ير مشروعيته من العلماء، ولكن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، كما هو مقرر في الأصول، قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: وقال الطحاوي في شرح الآثار: كره قوم أن يقال في أذان الصبح: الصلاة خير من النوم ـ واحتجوا في ذلك بحديث عبد الله بن زيد في الأذان.
وخالفهم في ذلك آخرون فاستحبوا أن يقال ذلك في التأذين للصبح بعد الفلاح، وكان الحجة لهم في ذلك أنه وإن لم يكن ذلك في حديث عبد الله بن زيد فقد علمه رسول الله صلى الله عليه و سلم أبا محذورة بعد ذلك، فلما علمه رسول الله صلى الله عليه و سلم ذلك أبا محذورة كان زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد ووجب استعمالها.
انتهى كلام الطحاوي.
وبما نقله المباركفوري عن الطحاوي يظهر لك أن القول باستحباب التثويب قول قوي وفيه جمع بين الأدلة وتعرف القرينة الصارفة للأمر من الوجوب إلى الندب عند القائلين بالاستحباب، وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب التثويب عملا بظاهر الأمر، وأبداه إمام الحرمين احتمالا، وهو قول بعض الحنابلة، قال النووي في شرح المهذب: والمذهب أنه ـ أي التثويب ـ مشروع، فعلى هذا هو سنة لو تركه صح الأذان وفاته الفضيلة، هكذا قطع به الاصحاب. وقال إمام الحرمين: في اشتراطه احتمال، قال: وهو بالاشتراط أولي من الترجيع. انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف: قوله: ويقول في أذان الصبح الصلاة خير من النوم مرتين ـ لا نزاع في استحباب قول ذلك ولا يجب على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وعنه يجب ذلك، جزم به في الروضة واختاره بن عبدوس في تذكرته وهو من المفردات. انتهى.
والله أعلم.