السؤال
كيف نوفق بين شرط صلح الحديبية في أنَّ من آمن وأتى النبي صلى الله عليه وسلم دون إذن وليه رده، وبين حرمة تسليم المؤمن للكافر؟ وهل هذا الفعل خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام، أو أنه حكم عام يمكن تطبيقه في ظروف مشابهة؟.
كيف نوفق بين شرط صلح الحديبية في أنَّ من آمن وأتى النبي صلى الله عليه وسلم دون إذن وليه رده، وبين حرمة تسليم المؤمن للكافر؟ وهل هذا الفعل خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام، أو أنه حكم عام يمكن تطبيقه في ظروف مشابهة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق بيان هذا الشرط في الفتوى رقم: 101547.
وأما بخصوص موضوع السؤال: فقد بحث الدكتور: حافظ بن محمد عبد الله الحكمي في رسالته: مرويات غزوة الحديبية، جمع وتخريج ودراسة ـ مسألة مصالحة الكفار على رد من جاء من قبلهم مسلماً، فقال: قد وقع خلاف بين العلماء في جواز هذا الشرط:
فعند أبي حنيفة: أنه غير جائز، لأن ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية منسوخ عنده بحديث سرية خالد بن الوليد حين وجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خثعم وفيهم ناس مسلمون فاعتصموا بالسجود فقتلهم خالد فوداهم النبي صلى الله عليه وسلم نصف الدية، وقال: أنا بريء من مسلم بين مشركين.
وذهب الحنابلة: وهو ظاهر كلام الشافعي ـ إلى جواز هذا الشرط، لقصة الحديبية.
وقال أصحاب الشافعي: لا يصح شرط رد المسلم إلا أن يكون له عشيرة تحميه وتمنعه.
وحكى السهيلي عن العراقيين أنهم قالوا: ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية يختص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبمكة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما رد المسلمين إلى قريش إلا لقوله: لا تدعوني قريش إلى خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أجبتهم إليها ـ قالوا: وفي رد المسلم إلى مكة عمارة البيت وزيادة خير له في الصلاة بالمسجد الحرام، والطواف بالبيت، فكان هذا من تعظيم حرمات الله تعالى.
والتحقيق: جواز الصلح على رد الرجال، لأنه قد ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد ما ينسخه أو يخصصه، والحديث الذي استدل به من قال بالنسخ لم يكن في محل النزاع، إنما هو في خصوص من أقام بين الكفار عن طواعية واختيار، أما الذي يرده الإمام فهو مكره على الرجوع إليهم.
وما ذكره أصحاب الشافعي من اشتراط الأهل والعشيرة لا دليل عليه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين رد أبا جندل لم يقل له إن أباك سيمنعك، بل قال له: إن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً. وقال نحو ذلك لأبي بصير.
وكذلك دعوى تخصيص ما وقع في صلح الحديبية بمكة وبالنبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها، وما ذكر من مسوغات لا تكفي للتخصيص. هـ.
فإذا تقرر أنه تجوز مصالحة الكفار على رد من جاء من قبلهم مسلماً، فلا تعارض بين هذا وبين النصوص الدالة على وجوب نصرة المسلم والنهي عن إسلامه لعدوه، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. متفق عليه.
قال ابن حجر: لا يسلمه ـ أي لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه ، بل ينصره ويدفع عنه. هـ.
وقال ابن الأثير في النهاية: يقال: أسلم فلان فلانا، إذا ألقاه إلى الهلكة ولم يحمه من عدوه. هـ.
ووجه الجمع بينهما أن يقال: هذه النصوص عامة، ومسألة مصالحة الكفار خاصة، ولا تعارض بين عام وخاص، وبيان ذلك أن مسألة مصالحة الكفار مبناه على مراعاة مصلحة الإسلام وأهله عموما، فلا غرابة أن تقدم على مصلحة فرد أو أفراد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين حكمة ذلك، فقال: إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا. رواه مسلم.
وقد كان ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مشهور من قصة أبي بصير وأبي جندل عند البخاري وغيره.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني