السؤال
أنا شاب ملتزم وأصلي جميع الصلوات وأصوم وأتهجد، ملتزم التزاما شديدا جدا في دينيولكن منذ الصغر تعرضت لحالات تحرش جنسي من قبل الشباب ثم تتطور الأمر لعلاقات وأصبحت شاذا جنسيا، وأنا أدعو الله كل يوم في صلاتي وفي سجودي أن يصرف عني هذه المعصية. ولكن إلى الآن لم أستطع التخلص منها. وعند ما أقوم بممارسة العلاقة مع أحد الشباب أرجع إلى المنزل واستغفر ربي وأتوب إليه وأنا نادم ولكن لا أستيطع التخلص من هذه المعصية.أريد أن أعرف ما الحل؟ وكيف سأواجه ربي عز وجل يوم القيامة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يتوب عليك ويعافيك من هذا البلاء العظيم، فإنك أيها الشاب مقيم على ذنب عظيم وجرم جسيم، فاللواط من أكبر الكبائر وأعظم الموبقات، وإن لم تتدارك نفسك بتوبة نصوح فإنك تعرض نفسك لغضب الله تعالى ومقته وعقوبته في الدنيا والآخرة. والله تعالى إذا غضب لم يقم لغضبه شيء، ومما يعينك على التوبة أن تستحضر عظمة الله تعالى ومراقبته لك واطلاعه عليك فتستحيي أن يراك على هذا المنكر الشنيع والذنب الفظيع، وأن تستحضر صفات جلاله تعالى وتعلم أنه شديد العقاب وأنه عزيز ذو انتقام، فتخشى أن ينالك من عقوبته ما لا طاقة لك به ولا قوة لك عليه، وأن تستحضر شناعة هذه الفعلة ومضرتها ومفسدتها في دين العبد ودنياه.
ومن كلام ابن القيم رحمه الله في بيان بعض مفاسد وشرور هذا الفعل المقيت قوله رحمه الله: ليس في المعاصي أعظم مفسدة من هذه المفسدة، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل كما سنبينه إن شاء الله تعالى، ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدا من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أحداً غيرهم، وجمع عليهم من أنواع العقوبات بين الإهلاك وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، فنكل بهم نكالا لم ينكله أمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السماوات والأرض خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها، وقتل المفعول به خير لمن وطئه، فإنه إذا وطئه قتله قتلا لا ترجى الحياة معه، بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد، أو ربما ينتفع به في آخرته. انتهى.
وقد سمى الله تعالى هذا الذنب بالفاحشة بالتعريف لتناهيه في القبح وتعاظمه في الفحش، وجعل عقوبة فاعل هذا الذنب أن يقتل بكرا كان أو ثيبا، كما هو قول الصحابة وكثير من أهل العلم، وفي إتيان الرجل الرجل قلب للفطرة وتنكيس لها حتى إن العقول السليمة والفطر المستقيمة لا تكاد تتصور أن هذا يمكن أن يقع.
ولهذا قال الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي، باني جامع دمشق: لولا أن الله، عز وجل، قص علينا خبر قوم لوط، ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا. ذكره ابن كثير في التفسير.
والكلام على مفاسد هذا الجرم وشروره يطول جدا، فاستحضر هذا وأربأ بنفسك عن هذه المنزلة الردية التي هي منزلة شرار الخلق، وقد عرفت ما فعل الله بهم من العقوبة وأنزل بهم من النكال، ومما يعينك على هذا الاجتهاد في الابتهال والتضرع إلى الله تعالى ودعائه أن يصرف عنك هذا السوء، فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
ومما يعينك على هذا أيضا أن تصحب أهل الخير وأن تترك صحبة الأشرار الذين يزينون لك هذا المنكر ويحملونك عليه ويعينونك عليه فإن الصاحب ساحب، والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. كما روي في الحديث.
فعليك أن تقطع صلتك فورا بكل من يدعوك إلى الرذيلة من أصدقاء السوء وتستبدل بهم غيرهم ممن يعينونك على الطاعة، وأصل ذلك إخلاص لله تعالى وصدق في التوبة إليه، فإذا علم الله منك الصدق والمجاهدة الحقة أعانك ووفقك، وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. {العنكوت:69}.
فأقبل على ربك واندم على جريرتك وتب إليه توبة صادقة، وتفكر في الموت وما بعده فإن الموت يأتي بغتة، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها، فكيف يكون مصيرك لو قبضت وأنت على هذه الحال عياذا بالله، واعلم أنك إن أصررت على المعصية فإنك لا تضر الله شيئا ولا تضر بذلك إلا نفسك وستجد عاقبة ذلك يوم القيامة إن لم يتداركك الله برحمته، وإن تبت وأنبت قبل الله توبتك وأقال عثرتك فإنه تعالى غفور رحيم، وهو تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. {الشورى:25}.
والله أعلم.