السؤال
قرأت في أحد كتب الفقه المالكي لأحد العلماء المعاصرين في بلدنا أنه لا يعد حائلاً في الوضوء جلدة البترة وما كان من الصغر في مثل رأس الإبرة ومثل الشوكة تبقى مغروزة في اللحم وما إلى ذلك مما لا يخلو منه جسم إنسان، فإنه يعفى عنه ولا يعد حائلاً، إذ إن تتبع ذلك من الحرج، ومصدر هذا الحكم على ما أعتقد وفقاً للهامش الموجود بالصفحة التي ورد بها هو مواهب الجليل 1ـ 201.
نأمل منكم التفضل بتفسير هذا الحكم وهل يعني ذلك أن الحائل الذي يكون صغيراً مثل حجم حبة التراب ـ على سبيل المثال ـ يعفى عنه؟ ومن ذلك ـ أيضاً ـ ما يوجد في بعض أنواع المكياج الذي تستعمله النساء نوع من الأشياء اللامعة يسمى: الرش ـ والتي تبقى على الجسم وهي في منتهى الصغر مثل حبة التراب وأصغر وماذا يفعل من وجد حائلاً لم يكن متأكدا من وقت تواجده بالجسم أي راوده الشك هل كان قبل الوضوء، أو بعده ولم يكن لديه يقين جازم؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف فقهاء المالكية في الحائل اليسير هل يعفى عنه، أو تجب الإعادة؟ والمذهب وجوب الإعادة وأنه لا يعفى عن الحائل ولو كان يسيرا وهو قول ابن القاسم، ومن قال من المالكية بالعفو عن اليسير فمراده بعد الوقوع، وأما ابتداء فتجب الإزالة، وهاك بعض ما في مواهب الجليل متعلقا بهذه المسألة، قال الحطاب ـ رحمه الله: ونزع غير الخاتم من كل حائل في يد، أو غيرها، ويندرج فيه ما يجعله الرماة وغيرهم في أصابعهم من عظم ونحوه، وما يزين به النساء وجوههن وأصابعهن من النقط الذي له جسد وما يكثرن به شعورهن من الخيوط وما يكون في شعر المرأة من حناء، أو حنتيت، أو غيرهما مما له تجسد، أو ما يلصق بالظفر، أو بالذراع، أو غيرهما من عجين، أو زفت، أو شمع، أو نحوها، وقال: فإن قلت لما تحدث ابن رشد على الخاتم في رسم مساجد القبائل من سماع ابن القاسم ذكر فيمن توضأ وقد لصق بظفره، أو بذراعه الشيء اليسير من العجين، أو القير، أو الزفت قولين وقال: الأظهر منهما تخفيف ذلك على ما قاله أبو زيد بن أبي أمية في بعض روايات العتبية ومحمد بن دينار في المدونة خلاف قول ابن القاسم في المدونة وقول أشهب في بعض روايات العتبية، قلت: لا خفاء أن هذا في اليسير بعد الوقوع، وأما ابتداء فلا بد من إزالته. انتهى.
وقال نقلا عن صاحب الطراز في بيان خلاف المالكية في المسألة: أما حكم اللمعة فالصحيح المشهور من المذهب وجوب الإيعاب وأنه إن ترك لمعة من مفروضاته لم يجزه، وهو قول الشافعي وحكى الباجي عن محمد بن دينار فيمن لصق بذراعيه قدر الخيط من العجين وغيره فلا يصل الماء إلى ما تحته فيصلي بذلك لا شيء عليه، قال: وقال ابن القاسم: عليه الإعادة ووجه المذهب قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم ـ وهذا لم يغسل وجهه وإنما غسل وجهه إلا لمعة، وقوله صلى الله عليه وسلم: أسبغوا الوضوء ـ وقوله لمن ترك قدر ظفر على رجله: أعد الوضوء والصلاة ـ ووجه القول الثاني أن اسم الغسل يثبت بدون ذلك، لأنه لو سقط من الرأس في مسحه هذا القدر لأجزأه، فكذلك الوجه، فإن الكل من أعضاء الطهارة واغتفار ذلك القدر بين الأصابع والخاتم. انتهى.
واختار شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ العفو عن يسير ما يحول دون وصول الماء إلى البشرة، ولهذه المسألة مزيد إيضاح وذكر لكلام بعض العلماء من غير المالكية انظره في الفتويين رقم: 124350، ورقم: 125253.
ولا شك في أن الاحتياط هو العمل بقول الجمهور وأن من ترك موضعا لم يغسله، أو كان على أعضاء وضوئه حائل ولو كان يسيرا أن وضوءه لا يصح بذلك، وأما من وجد بعد الوضوء حائلا ولم يدر أكان قبل الوضوء، أو بعده، فإن الأصل تقدير حدوثه بعد الوضوء، لأن الشيء إذا احتملت إضافته إلى زمنين أضيف إلى آخرهما، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 137209، فلتراجع.
قال الحطاب: والظاهر أن هذا ليس خاصا بالقذى، بل كل حائل حكمه كذلك، وإذا وجد بعد الوضوء وأمكن أن يكون طرأ بعد الوضوء فإنه يحمل على أنه طرأ بعد الوضوء. انتهى.
والله أعلم.