الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يوفقكم لما يحب ويرضى، وأن يتم عليكم نعمته، ويكفيكم بحلاله عن حرامه، ويغنيكم بفضله عمن سواه.
وأما ما يتعلق بموضوع التصوير المرئي (الفيديو) فإنه من حيث الأصل جائز على الراجح من أقوال أهل العلم، لكن يختلف الحكم بعد ذلك بحسب ما يصور، والمقصود من التصوير. فإن كان ما يصور مباحاً، والمقاصد محمودة، فلا بأس بالتصوير، وأما إن كان محظورا كتصوير العورات والمنكرات؛ فإنه لا يجوز، وفاعله آثم. وراجع في ذلك الفتويين: 7896، 17712.
وأما تعلل الوالد بكثرة النفقات ونحو ذلك، فهو في غير محله، فإن المال تقل بركته أو تنعدم بالكسب الحرام، كما أن الذنوب من أعظم أسباب الحرمان من الرزق، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه. رواه أحمد وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم. ووافقه الذهبي، وصححه المنذري وحسنه العراقي والبوصيري والأرنؤوط.
وبالجملة فالذنوب والمعاصي من أسباب زوال النعم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 56211.
وكسب الحرام يبعد العبد من ربه ويمنع من قبول الدعاء، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم) وقال: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك. رواه مسلم.
ثم نذكر الوالد الكريم بأن الكسب الحرام لا يضر صاحبه في الدنيا فحسب، بل الضرر الأكبر هو ما ينتظره من السؤال والحساب يوم القيامة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
فما من لقمة حرام يطعمها المرء إلا كانت خطوة على طريق جهنم والعياذ بالله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به. رواه الترمذي وأحمد، وصححه الألباني.
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام. قال المنذري: رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط والبيهقي وبعض أسانيدهم حسن. اهـ. وصححه الألباني.
هذا، وقد يسر الله تعالى لعباده سبل الرزق الطيب، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك: 15}
وقال سبحانه: لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى {طه: 132}
فمن اتقى الله رزقه وكفاه، ويسر له ووقاه، قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا* وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا {التحريم:4،3،2}
ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، فثق بالله تعالى وأحسن التوكل عليه، ودع عنك ما يضرك من المكاسب غير متحسر عليه؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله تبارك وتعالى إلا آتاك الله خيرا منه. رواه أحمد، وصححه الألباني.
والله أعلم.