الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بينا في فتاوى سابقة الخلاف في تفسير النمص المنهي عنه، وهل شعر الجبين والخدين يدخل فيه أم لا ؟ فذكرنا أنه قيل فيه: هو نتف شعر الوجه، وقيل: هو الأخذ من شعر الوجه، وقيل: إن ذلك مختص بالحاجبين والذي نراه - والعلم عند الله - أن المقصود بالنمص هو أخذ شعر الحاجبين وما عداه من الشعر فمسكوت عنه فهو عفو، لعدم الدليل على منع أخذه.
وأما كون اغلب علماء اللغة ذكروا انه عام في شعر الوجه فهو صحيح، ولكن علماء الحديث ليسوا أقل شأنا من اصحاب المعاجم الذين ألفوا في اللغة، فهذا الامام أبو داود - وهو عربي قح من الأزد - يقول بعد ذكر الحديث: والنامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه، والمتنمصة المعمول بها. اهـ
وقال ابن حجر في الفتح: والمتنمصة التي تطلب النماص والنامصة التي تفعله ، والنماص: إزالة شعر الوجه بالمنقاش، ويسمى المنقاش منماصاً لذلك، ويقال إن النماص يختص بإزالة شعر الحاجبين لترقيقهما وتسويتهما. اهـ
ومما يرجح اختصاص النمص المحرم بالحاجبين ما جاء عن عائشة رضي الله عنها من الترخيص للمرأة أن تحف جبينها لزوجها. أخرجه الطبري ورواه عبد الرزاق في مصنفه.
وفيه أن المرأة قالت: يا أم المؤمنين، إن في وجهي شعرات أفأنتفهن أتقرب بذلك لزوجي؟ فقالت: أميطي عنك الأذى وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة.
وقد نقله عنها جمع من أهل العلم وأقروه، وهذا يدل على أنه يجوز للمرأة حلق شعر الوجه ونتفه، عدا الحاجبين. ومما يدل لهذا ما ذكره العلماء من إباحة إزالة شعر الشارب واللحية بالنسبة للمرأة.
فقد قال النووي في المجموع: لو نبت للمرأة لحية استحب لها نتفها وحلقها لأنها مثلة في حقها بخلاف الرجل، وكذا يستحب نتف وحلق الشارب والعنفقة. انتهى.
وقال ابن حجر في فتح الباري: وقال النووي يستثنى من النماص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة فلا يحرم عليها إزالتها بل يستحب. قلت وإطلاقه مقيد بإذن الزوج وعلمه وإلا فمتى خلا عن ذلك منع للتدليس. وقال بعض الحنابلة إن كان النمص أشهر شعارا للفواجر امتنع وإلا فيكون تنزيها، وفي رواية يجوز بإذن الزوج إلا إن وقع به تدليس فيحرم، قالوا ويجوز الحف والتحمير والنقش والتطريف إذا كان بإذن الزوج لأنه من الزينة، وقد أخرج الطبري من طريق أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة وكانت شابة يعجبها الجمال فقالت المرأة تحف جبينها لزوجها فقالت أميطي عنك الأذى ما استطعت. وقال النووي يجوز التزين بما ذكر إلا الحف فإنه من جملة النماص اهـ
و في الموسوعة الفقهية الكويتية : يستحب لكل من الزوجين أن يتزين للآخر ، لقوله تعالى : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء: 19 } وقوله تعالى : وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة: 228 } فالمعاشرة بالمعروف حق لكل منهما على الآخر ، ومن المعروف أن يتزين كل منهما للآخر، فكما يحب الزوج أن تتزين له زوجته كذلك الحال بالنسبة لها تحب أن يتزين لها ، ومن الزينة في هذا المقام أنه إن نبت شعر غليظ للمرأة في وجهها كشعر الشارب واللحية فيجب عليها نتفه لئلا تتشبه بالرجال، فقد روت امرأة ابن أبي الصقر وهي العالية بنت أيفع رضي الله عنها أنها كانت عند عائشة رضي الله عنها فسألتها امرأة فقالت : يا أم المؤمنين إن في وجهي شعرات أفأنتفهن : أتزين بذلك لزوجي ؟ فقالت عائشة : أميطي عنك الأذى، وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة، وإن أمرك فأطيعيه، وإن أقسم عليك فأبريه، ولا تأذني في بيته لمن يكره..... انتهى .
وأما الحديث الذي رواه الطبراني فسنده ضعيف لأن فيه الطيب بن سلمان قال فيه الهيثمي في المجمع: الطيب بن سلمان وثقه ابن حبان وضعفه الدارقطني.
وقوله : ولا بأس بالجبين معناه أنه لا حرج في إزالة الشعر الموجود على الجبين، والجبين هو جانب الجبهة كما في شرح النووي على مسلم.
وفي القاموس المحيط : والجبينان : حرفان مكتنفا الجبهة من جانبيها فيما بين الحاجبين مصعدا إلى قصاص الشعر أو حروف الجبهة ما بين الصدغين متصلا بحذاء الناصية كله جبين. اهـ
والله أعلم.