الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عمل في توزيع صحيفة مجانية فلم يكن يوزعها كلها فكيف يبرئ ذمته

السؤال

كنت أعمل موزعا لإحدى الصحف المجانية وكنت أوزع الربع، أما الثلاثة الأرباع الباقية فكنت ألقيها في سلة المهملات دون علم الشركة وكنت أتقاضى راتبا على ذلك وقبل عدة سنوات سرقت أمورا يسيرة من أشخاص والآن وبعد أن تبت إلى الله عز وجل قدمت استقالتي وعندي من المال الذي جمعته من وظيفتي في توزيع الصحف، وقد تحللت من السرقة التي سرقتها منذ سنوات طويلة، وسؤالي: هل ينفع أن أتحلل من السرقة بالمال الذي بقي لدي من توزيع الصحف؟ فقد تحللت من السرقة، لأن الأشخاص الذين سرقتهم أستطيع رد أموالهم بسبب قلة المال الذي سرقته، أما الشركة فلم أتحلل برد الأموال إليها بسبب أن المبلغ كبير وأعجز عن سداده، فهل تحللي من السرقة بهذا المال جائز وأنا لا أملك مالا غيره؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتحللك مما سرقته مما بيدك من مال عملك لا حرج فيه وتبرأ ذمتك بذلك من السرقة، لكن بقي مال الصحيفة ويلزمك أن تعيد إليها ماترتب في ذمتك نحوهاولوبلغ ما بلغ، وبالتالي فبادر إلى توبة نصوح وتحلل من جميع المظالم ـ سرقة كانت، أو غيرها ـ فقد قال صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.

قال ابن كثير ـ رحمه الله: من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله, فإن الله يتوب عليه فيما بينه وبينه, وأما أموال الناس فلا بد من ردها إليهم، أو بدلها عند الجمهور. اهـ بتصرف يسير.

وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه، أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم.

وإذا سامحك من هو مخول بالمسامحة في الصحيفة وعفى عنك تلك المظلمة فلا حرج عليك، وتبرأ ذمتك بذلك وإلا فيلزمك أن تعيد إلى الصحيفة حقها، لكن تنبغي الحكمة في ذلك فلا تفعل ما قد يجلب ضررا، لأن المعتبر هو وصول الحق بأي سبيل ولا يلزم الإنسان أن يشهر بنفسه ويذكر للمجني عليه الجناية، وإذا كنت لا تملك من المال ما تستطيع به قضاء مظلمة الصحيفة فتبقى في ذمتك حتى تؤديها، وإذا لم يمنعك من أدائها سوى العجز مع النية الصادقة والتوبة الخالصة فيرجى أن يقضيها عنك ربك، لما ورد في الحديث: من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه, ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله. رواه البخاري.

قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله: وظاهره يحيل المسألة المشهورة فيمن مات قبل الوفاء بغير تقصير منه كأن يعسر مثلا، أو يفجأه الموت وله مال مخبوء وكانت نيته وفاء دينه ولم يوف منه في الدنيا، الظاهر أنه لا تبعة عليه والحالة هذه في الآخرة, بحيث يؤخذ من حسناته لصاحب الدين، بل يتكفل الله عنه لصاحب الدين. اهـ.

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني