السؤال
امرأة كانت حاملا في شهرها الخامس، أخبرها الطبيب أن حملها غير طبيعي فأجهضت. لكنها ندمت بعد ذلك وتابت و صامت 60 يوما، وكذلك فعل زوجها مع أنه لم يكن يوافقها في أول الأمر.
فهل لهما من توبة ؟ وان لم يستطيعا أداء الدية لابنيهما الآخرين ما العمل؟
و جازاكم الله عنا خيرا
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما التوبة فإنها بحمد الله ميسورة من كل ذنب، فإن الله تعالى يغفر الذنوب جميعا، وأما حكم الإجهاض والواجب فيه فيمكن للسائل معرفته من الفتوى رقم: 124185.
وننبه هنا على أن الدية إنما تجب على من باشر الإجهاض دون من أعان عليه، لما تقرر عند الفقهاء أنه: إذا اجتمع التسبب والمباشرة اعتبرت المباشرة دونه. وأما من أعان عليه فإنه تجب عليه التوبة النصوح إلى الله تعالى. والدية هنا هي عشر دية الأم، وهو ما يساوي 213 جراماً من الذهب تقريباً، وتدفع هذه الدية إلى ورثة الجنين على قدر أنصبائهم، ولا يرث القاتل منها شيئاً، فإن عفا الورثة عنها سقطت وبرئت ذمة القاتل، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 145537، 96090، 45029028671.
والذي يظهر لنا من السؤال أن الزوج لم يباشر هذا الإجهاض بنفسه، وإنما أذن فيه ووافق زوجته في آخر الأمر، كما يدل عليه السؤال. فإن كان كذلك فلا دية على الزوج لعدم المباشرة، وهل تجب الدية على عاقلة المرأة في هذه الصورة أم لا ؟ الذي وجدناه في كلام الفقهاء في هذه الصورة هو ما ذكره الحنفية حيث يقول ابن نجيم في البحر الرائق:إن شربت دواء لتطرحه، أو عالجت فرجها حتى أسقطته ضمن عاقلتها الغرة إن فعلت بلا إذن. لأنها ألقته متعدية فيجب عليها ضمانه، وتتحمل عنها العاقلة لما بينا، ولا ترث هي من الغرة شيئا لأنها قاتلته بغير حق، والقاتل لا يرث، بخلاف ما إذا فعلت ذلك بإذن الزوج حيث لا تجب الغرة لعدم التعدي. اهـ.
وجاء في (مجمع الضمانات): وفي (الوقاية) أسقطت الحرة الولد عمدا بدواء أو فعل بلا إذن زوجها وجبت الغرة، وإن أذن لا ؛ لعدم التعدي. اهـ.
وفي حاشية ابن عابدين : قال في الشرنبلالية : أقول هذا يتمشى على الرواية الضعيفة لا على الصحيح لما قال في الكافي : قال لغيره : اقتلني , فقتله , تجب الدية في ماله في الصحيح ؛ لأن الإباحة لا تجري في النفوس وسقط القصاص للشبه . وفي رواية : لا يجب شيء؛ لأن نفسه حقه وقد أذن بإتلاف حقه . انتهى . فكذا الغرة أو دية الجنين حقه غير أن الإباحة منتفية , فلا تسقط الغرة عن عاقلة المرأة بمجرد أمر زوجها بإتلاف الجنين, ولأن أمرها لا ينزل عن فعله , فإنه إذا ضرب امرأته فألقت جنينا لزم عاقلته الغرة ولا يرث منها, فلو نظرنا لكون الغرة حقه لم يجب بضربه شيء , ولكن لما كان الآدمي لا يملك أحد إهدار آدميته لزم ما قدره الشارع بإتلافه, واستحقه غير الجاني. اهـ ملخصا.
أقول : وفيه نظر لما صرحوا به من أن الجنين لم يعتبر نفسا عندنا لعدم تحقق آدميته وأنه اعتبر جزءا من أمه من وجه، ولذا لا تجب فيه القيمة أو الدية كاملة ولا الكفارة ما لم تتحقق حياته, وقدمنا أن وجوب الغرة تعبدي فلا يصح إلحاقه بالنفس المحققة حتى يقال إن الإباحة لا تجري في النفوس, فلا يلزم من تصحيح الضمان في الفرع المار تصحيحه في هذا, وتقدم أول الجنايات أنه لو قال اقطع يدي أو رجلي لا شيء فيه وإن سرى لنفسه ؛ لأن الأطراف كالأموال فصح الأمر , فإلحاقه بهذا الفرع أولى ؛ أنه إذا لم يكن هو الضارب فالحق له وقد رضي بإتلاف حقه, بخلاف ما إذا كان هو الضارب فإنها حق غيره ولذا لا يرث منه. اهـ . وراجع الفتوى رقم : 11681.
وعلى القول بوجوب الدية على عاقلة المرأة فإنها تسقط بإسقاط الزوج لها , إذ هو صاحب الحق , فهو الوارث , وابناه الآخران محجوبان به .
والله أعلم.