السؤال
هل يجوز لي الزواج شرعاً من نصراني كنت سبباً في إسلامه بعد أن هداه الله سبحانه للإسلام وحسن إسلامه؟ وماذا أفعل بعد أن رفضته والدتي بدعوى أن النصارى لا يسلمون وبأنه كافر؟
هل يجوز لي الزواج شرعاً من نصراني كنت سبباً في إسلامه بعد أن هداه الله سبحانه للإسلام وحسن إسلامه؟ وماذا أفعل بعد أن رفضته والدتي بدعوى أن النصارى لا يسلمون وبأنه كافر؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ثبت في الصحيح من حديث عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله. رواه مسلم.
فإذا ثبت إسلام أحد من الناس كان ما قبل إسلامه من الكفر وغيره مغفوراً مهدوماً بالإسلام، كما في نص الحديث، وجرت عليه أحكام الإسلام في النكاح والميراث وسائر التكاليف. وله أن يتزوج من شاء من المسلمات، سواء كان حديث عهد بالإسلام أو قديم عهد به، وسواء كان نصرانياً قبل إسلامه أو يهودياً، أو على أي ملة كان.
ويجب التنبه إلى أن من الكفار من يقع في حب مسلمة ولا يستطيع زواجها عن طريق والديها إلا بالإسلام، ثم يدخل في الإسلام دون أن يطبق أحكامه من صلاة وصيام وكف عن المحرمات التي كان عليها قبله، بل لا يظهر منه إلا الشهادتان، ويكون بعد ذلك مخالفاً لمقتضاهما، وما يلزم مَن نطق بهما من عمل. والأصل في مثل هذا أن لا يزوج. وقد رأينا من هذه الأصناف ما رأينا في ديار الغرب، وقد كان يأتي الواحد من الكفار إلى المسلمين في مساجدهم أو مراكزهم بعد أن يكون ذهب للزواج من امرأة مسلمة فرفض أهلها، لأنه ليس بمسلم، ثم يأتي إلى المراكز الإسلامية المعروفة ويعلن إسلامه، وما رؤي بعدها، ولم يظهر منه صلاة أو صيام أو أي عمل من أعمال الإسلام.
فعلى المسلم أن لا يكون مغفَّلاً إلى هذا الحد الذي يجعله يخفى عليه مثل هذه الاحتيالات، ومع هذا فالأمر كما قلت إنه إذا أسلم ودخل في الدين راغباً، ولم يظهر منه قرائن الاحتيال أو استخدام الدين كوسيلة، فهذا فرد من أفراد المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، بل والأفضل أن يزوجوه ولو كان حديث عهد بالإسلام من باب تأليف القلوب، وضمه إلى المجتمع المسلم، لأن مثل هذا الذي دخل في الإسلام راغباً، وامتنع عن المحرمات التي كان عليها يكون أحوج ما يكون لامرأة مسلمة تعينه على غض بصره وحفظ فرجه وسائر أمور دينه.
وأما بالنسبة لقول القائل (وحسن إسلامه)، فإذا ثبت هذا لغالب المسلمين القريبين منه أو الذين يعاملونه فهو كذلك، وأما إذا كان بشهادة واحد أو اثنين، فهذا فيه نظر، لأن المسلم إذا حسن إسلامه فلا بد أن يظهر هذا لجميع من حوله أو لغالبهم، لأن حسن إسلام العبد إنما يكون مبنياً على ما ظهر منه من المحافظة على الصلوات على وقتها، بل والمحافظة على المستحبات وترك المحرمات؛ بل والمكروهات، وهذا إذا حصل من أحد المسلمين، فإنه يظهر في العادة لغالب من حوله، فليس كل من قيل فيه: (حسن إسلامه) كان القول فيه حقاً.
والحاصل أن من دخل في دين الإسلام ظاهراً يحكم له به، فإذا تقدم للزواج من امرأة مسلمة وكان ممن يرضى دينه وخلقه، فإنه لا ينبغي أن يرد، سواء كان نصرانياً أو يهودياً قبل الإسلام، لما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي و ابن ماجه، وليس للأم أن تمنع ابنتها من زواج من هذه صفته، بحجة أن النصارى لا يسلمون، لأن هذه الحجة تخالف الواقع، فالنصارى يسلمون واليهود والمجوس كذلك كما هو مشاهد، خصوصاً إذا احتاجت ابنتها إلى الزواج، لأن الزواج سنة عند جماهير أهل العلم، وذهب بعضهم إلى وجوبه، فليس للأم أن تمنع ابنتها منه من غير سبب شرعي، ولكن الأفضل إذا ما رفضت الأم أن تتزوج ابنتها شخصاً معيناً أن تطاع في ذلك، لأنها يمكن أن يتيسر لها الزواج من غيره، وتأمن كذلك على بقاء الصلة بينها وبين أمها.
وعلى العموم: فليس للأبوين أن يمنعا ولدهما مما هو مباح له فضلاً عما هو مسنون له، أو واجب عليه، من دون سبب شرعي، وليس هذا من طاعة الوالدين الواجبة عليه بالشرع.
وفي حالة ما إذا أصرت الأم على رفض هذا المسلم المرضي دينه وخلقه، وكانت البنت متعلقة به، فلها أن تتلطف بأمها، وتتخذ لإرضائها وإقناعها سائر الوسائل المتاحة لديها، فإن أصرت فللبنت حينئذ أن تأمر وليها بأن يزوجها من هذا الخاطب، وإن لم ترض الأم.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني