السؤال
فضيلة الشيخ: أعمل منذ فترة طويلة لدى مؤسسة يملكها أخوان براتب بخساه بخساً ملحوظاً وقد تم الاتفاق على زيادة منذ عدة سنوات مع أكبرهما، ولكن رفض الشريك الآخر وذلك بعد عدة شهور لم أستلم فيها الراتب اطمئناناً مني للاتفاق، ثم إنهما ينقصان من الحقوق المقررة في قانون العمل، حيث سنوياً شهر إجازة مع شهر مكافأة نهاية خدمة لا نأخذ منها سوى نصف شهر عن كل سنة، وليس هناك بدل سكن، أو بدل انتقال ولا يوجد علاج بالإضافة إلى أن أحدهما أكرهني على أن يشاركني ابنه في سعي بيع أرض كانت للأخوين بعد أن تم البيع بواسطتي علماً بأن ابنه لم يكن يعلم موقع الأرض ولا مساحتها ولا سعرها شراءً، أو بيعاً ـ ونصف السعي 45000 ريال ـ مع العلم أنهما عودونا على إعطائنا من زكاة أموالهم في كل رمضان عوضاً عن ما سبق شرحه أعلاه واستنتاجاً من ردودهم علينا فكلما طالبنا بزيادة في الراتب بقولهم: اجمعوا ما تأخذونه في رمضان مع الراتب كم تصير، هذه تحمل هذه ولو أنك في بلدك، أو أنك ما كنت عندنا ما بحثنا عنك لنعطيك والسؤال: هل يجوز لي أن أستمر في أخذ المبلغ لي متأولاً إياه إكمالاً للراتب والحقوق الأخرى ظفراً، حيث إنه حولها من زكاة مال إلى أجر عن عمل لديه بقوله اجمعها مع الراتب كم تصير؟ وبلفظ آخر: هل الإثم يقع منفرداً على المعطي زكاته درءاً لحقوق عليه للمتلقي؟ أم أن المتلقي أيضاً عليه إثم في حال علمه أنها من زكاة المعطي؟ أم آخذها وأصرفها للآخرين بمعرفتي، حيث إنني لا أستطيع أن أمتنع لكيلا يُظن بي السوء؟ ثم أخيراً إذا كان لا يجوز لي تأولها بهذا التأويل وأخذها، فما العمل في المبالغ التي سبق لي أخذها متأولاً؟ وجزاكم الله خيراً عن الإسلام وكل المسلمين ونفع بكم وبعلمكم وهدى بكم وبعلمكم المؤمنين إلي ما يحبه الله ويرضاه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، وبعد:
فلا يجوز للمؤجر ظلم أجيره، فقد قال صلى الله عليه وسلم: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه. رواه ابن ماجه.
وروى البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى ثمنه ولم يعطه أجره.
فعلى ذينك الأخوين صاحبي الشركة أن يتقيا الله عز وجل ويؤديا إليك حقوقك المتفق عليها في عقد العمل بينكما، وما امتنعا من أدائه مما يجب لك بحكم العقد بينكما وعجز ت عن أخذه بالطرق العلنية فيجوز لك أخذه من مالهما دون علمهما من باب مسألة الظفر المبينة في الفتوى رقم:
28871.
وأما ما يدفعانه إليك من أموال الزكاة فإن كنت غنيا لم يجز لك أخذه، لأنك غير مستحق لها، ولا يجوز لك أخذها متأولا باعتبار كونها من حقوقك على صاحبيك، لأنهما إذا أدياها إليك على اعتبار كونها زكاة فإن ذمتهما تبرأ بذلك إن غلب على ظنهما كونك مستحقا لها، جاء في المغني: فصل: وإذا أعطى من يظنه فقيراً فبان غنياً فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما: يجزئه اختارها أبو بكر، وهذا قول الحسن وأبي عبيد وأبي حنيفة.
وخلاصة القول أنه لا يجوز لك الأخذ من زكاة مال مؤجريك إلا إذا كنت مستحقا للزكاة لفقر أو غرم مثلا بأن كان راتبك وما بيدك لا يسد حاجتك وخلتك، وأما إن كنت غنيا ـ وهذا هو المتبادر ـ فلا يجوز لك أخذها، لأنها حق للفقراء فإذا أخذته منعته عن مستحقيه، ويمكنك تدارك ما فات من حقك على صاحبيك إن كان لك قبلهما حق بأخذه من مالهما دون علمهما إذا منعاك إياه، لكن لا بد أن يثبت لك حق قبلهما، فمجرد الوعد بزيادة الراتب لا يثبت تلك الزيادة ما لم يجر الاتفاق عليها في العقد، أو عند تجديده بعد انقضاء مدة العقد الأول، كما أن عدم صرف راتب إضافي سنوي، أو منح إجازة رسمية إذا كنت تنازلت عن ذلك في العقد، أو جرى العقد صريحا بخلافه فلا يجب عليهما دفعه، لأن قانون العمل يعتبر من العادة، فإن صرح في العقد بخلاف ما يقتضيه القانون ورضي به الطرفان لزمهما ذلك، جاء في المبسوط: إنما تعتبر العادة عند عدم التصريح بخلافها.
وما أخذته من الزكاة فيما سبق إن كنت غير مستحق لها فيلزمك رده، قال في مطالب أولي النهى: وحيث دُفعت الزكاة لغير مستحقها, لجهل دافعٍ به, وجب على آخذها ردها له. انتهى.
فإن خشيت بردها إلى أخويك ضررا فيمكنك أداؤها إلى مستحقيها ومحض التأول إنما يسقط عنك الإثم لكنه لا يسقط ضمان الحق، أما الأخوان فلا يجزئهما ما دفعا من مال زكاة على أساس أنه من أجرة العامل ولو كان العامل فقيرا.
والله تعالى أعلم.