السؤال
أرجو منكم مساعدتي وإرشادي فأنا في هم عظيم لا يعلمه إلا الله عز وجل: تعرضت لتحرش من فتيات في عائلتي في صغري 8 سنوات، وفي 12 من عمري أصبحت أمارس العادة السيئة، ولم أكن أعلم بحرمتها، وعندما علمت بذلك في 18 من عمري، حاولت تركها مراراً ولم أستطع للأسف، وتراكمت علي الذنوب من أفلام وأغاني ودردشة حتى هداني الله سبحانه وتعالى منذ 4 سنوات تقريبا، وبدأت في ترك المحرمات الواحدة تلو الأخرى إلا أن شعوري بالذنب مازال يلازمني، وأشعر بأن الله غير راض عني، فأخبرني أحد الإخوة في منتدى إسلامي ـ جزاه الله خيرا ـ أن ألتزم بدراسة الدين ليتقوى إيماني، وكنت وقتها في سعادة لا توصف وراحة بال، ولكنني مع كثرة الخلافات بين أقوال الشيوخ أصبحت أشك في عبادتي، وعدت للعادة السيئة مرة أخرى، ولا أريد العودة لباقي الذنوب، ففي كل مرة أفعلها أصاب بهم وكرب شديد، وأشعر بغضب الله علي لذلك لم يوفقني سبحانه للتوبة، وبدأت أخاف من سوء الخاتمة وعقاب الله برغم إكثاري من الاستغفار والتوبة والصدقة والصلاة إلا أنني أفشل كل مرة، فلم أعد أعرف ماذا أفعل، فأنا لا أريد ولا أطلب إلا أن يرضى الله عني ويغفر لي ويثبتني على التوبة وطاعته عز وجل، فقد وجدت حلاوة الطاعة والإيمان، ولكنني فقدتها وأصبحت أعيش في هم وتعاسة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك على ما أعطاك الله من التوبة والاشتغال بالتعلم، ونسأله أن يثبتك على الحق، ويطهر قلبك، ويحصن فرجك، ويقيك السوء، ونفيدك أن الاستمناء معصية من المعاصي، وأن من آثار المعاصي إصابة القلب بالهم والغم والآلام النفسية، وأن السبيل إلى الخلاص من ذلك هو مراقبة الله تعالى واستحضار اطلاعه عليك في كل حال، والابتعاد عن كل ما يثير الشهوة، والاشتغال بما هو نافع، وعليك بتذكر خطورة المعصية ولو كانت صغيرة من صغائر الذنوب، فلتنظري حينئذ إلى عظمة من عصيت، وجاهدي نفسك بحملها على العفة والصبر فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يستعف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله. متفق عليه.
ثم إن من أهم ما يعين على التخلص منه العمل بتوجيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الوارد في حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء. رواه البخاري ومسلم.
وراجعي الفتويين رقم: 107563، ورقم: 7170.
واعلمي أن المسلم إذا تاب ثم غلبته نفسه للرجوع للمعصية مرة أخرى فلا يسوغ أن ييأس من قبول التوبة، بل يتعين أن يبادر للتوبة أيضا ويقمع نفسه وشيطانه، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ قَالَ: أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً، فَقَالَ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ، ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ، ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ. أي: ما دمت تتوب توبة نصوحاً، مستوفية الشروط، سالمة من موانع القبول.
وأما خلاف العلماء فليس سببا للشك في العبادات ولا في الرجوع للمعاصي، فإن خلافهم لم يكن عن هوى، وإنما كان سببه اختلافهم في فهم النصوص، وقد عد العلماء خلاف الأئمة المجتهدين رحمة، كماقال ابن قدامة في المغني: وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام، مهد بهم قواعد الإسلام، وأوضح بهم مشكلات الأحكام اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة. انتهى.
وأما العود للمعاصي وترك الدين بسبب خلافهم فهو أمر لا يليق بالعقلاء التفكير فيه، فالدين هو دين الله الذي خلقنا وتعبدنا به، ووعدنا عليه حصول الفلاح في الدنيا والآخرة، فخلاف العلماء في اجتهاداتهم لا يزهد العبد في التعامل مع ربه الذي خلقه وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة، ومن ترك الدين لايضر إلا نفسه، فيكون مصيره ونتيجة فعله معيشة ضنكا في الدنيا وعذابا أليما في الآخرة، فأي خسارة أعظم من هذا؟.
والله أعلم.