السؤال
أرجو من حضراتكم إفادتي في الجمع بين قراءة: ما كان لنبي أن يغل ـ فيغل ـ في إحدى القراءات بفتح الياء وضم الغين فتصبح فاعل يغل وإحدى القراءات بضم الياء وفتح الغين تصبح مفعول به، وكذلك في بعض الآيات الأخرى توجد كلمات تأتي بصيغة الفاعل في قراءة ومفعول به في قراءة أخرى، فكيف يتم تفسير هذه الآيات بهذه الطريقة، والقرآن يفترض أنه محفوظ ولا يتغير، وهذه الاختلافات قد غيرت المعنى.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن اختلاف الشكل في الكلمة المذكورة من اختلاف القراءات الذي هو اختلاف تنوع وتغاير وتيسير لقراءة القرآن وتوسعة في المعنى، وليس فيه تناقض أو تضاد، وانظر الفتوى: 4256.
فكلمة: يغل ـ بفتح الياء وضم الغين معناه: يخون، وبضم الياء وفتح الغين يكون الفعل مبنيا للمجهول، ومعناه: يخوّن، أي يخوّنه غيره، وينسبه إلى الغلول، والغلول: الخيانة في الغنيمة والأخذ منها قبل قسمتها كما يشمل معناه الخيانة في تبليغ ما أنزل عليه أو كتمان شيء مما أوحي إليه، ويحتمل أن يخان أي يؤخذ من غنيمته بغير علمه، جاء في تفسير القرطبي: وما كان لنبي أن يغل ـ قال: تقول وما كان لنبي أن يكتم شيئاً من كتاب الله وقرئ وما كان لنبي أن يغل ويغل، فمعنى يغل يخون، ومعنى يغل يخون، ويحتمل معنيين: أحدهما يخان أي يؤخذ من غنيمته، والآخر يخون أن ينسب إلى الغلول.
وفي تفسير البغوى: وما كان لنبي أن يغل ـ فيعطي قوماً ويمنع آخرين، بل عليه أن يقسم بينهم بالسوية، وقيل: هذا في الوحي، يقول: ما كان لنبي أن يكتم شيئاً من الوحي رغبة أو رهبة أو مداهنة، وقرأ ابن كثير وأهل البصرة وعاصم يغل بفتح الياء وضم الغين، معناه: أن يخون، والمراد منه الأمة، وقيل: اللام فيه منقولة معناه: ما كان النبي ليغل، وقيل معناه: ما كان يظن به ذلك ولا يليق به، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الغين وله وجهان: أن يكون من الغلول أيضاً، أي: ما كان لنبي أن يخان، يعني: أن تخونه أمته، والوجه الآخر: أن يكون من الإغلال، معناه: ما كان لنبي أن يخون، أي ينسب إلى الخيانة.
وتلاحظ أن تغير الشكل في هذه الكلمة لم يتناقض مع المعاني المذكورة ولم يغير منها شيئا وإنما شمل معان أكثر، وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءتين، لأن القرآن الكريم نزل عليه بسبعة أحرف تيسيرا للقراءة، فأقرأ بذلك أصحابه وأقرأوا به من بعدهم حتى وصلت إلينا القراءتان بالتواتر، لذلك فكل الكلمات التي تلاحظ في القرآن مختلفة في الشكل أو الحروف فإن هذا الاختلاف يرجع إلى اختلاف الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن وأقرأ عليها النبي صلى الهم عليه وسلم الصحابة، وقد ذكرنا أن هذا لاختلاف اختلاف تنوع وتيسير لا اختلاف تضاد وتناقض، فالقرآن الكريم محفوظ من التحريف والتغيير والتبديل، كما قال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون { الحجر:9}.
وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين رقم: 128174، ورقم: 6453.
والله أعلم.