السؤال
أثناء غضبي طلقت زوجتي طلقة واحدة بقول: أنت طالق ـ ولم أقصد بها المفارقة، بل التهديد فقط، فما الحكم؟ وإن كانت طلقت، فما حدود التعامل بيننا خاصة أنها طلقة رجعية؟ وهل أنام بجوارها أو منفصلا عنها؟ وهل يجوز أن أقبلها؟ وهل تخرج من البيت بإذني أم لا؟ وإذا أردنا السفر، فهل يجوز أن أصطحبها معي أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فصريح الطلاق يقع بمجرد التلفظ به مادام قاصدا التلفظ ولا يحتاج لنية إيقاعه، وبالتالي فقولك: أنت طالق ـ يقع به الطلاق ولو كنت لا تقصد إيقاعه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 56604.
وبخصوص التعامل مع الزوجة الرجعية فهو محل خلاف بين أهل العلم، فعند الحنفية والحنابلة أنها كالزوجة يجوز النوم بجوارها أو منفصلا عنها كما يجوز تقبيلها والسفر معها سواء قصدت بذلك ارتجاعا أم لا، ففي الإنصاف للمرداوي الحنبلي: قوله: ويباح لزوجها وطؤها والخلوة والسفر بها، ولها أن تتشرف له وتتزين وهذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، قال القاضي: هذا ظاهر المذهب. انتهى.
وفي تبيين الحقائق ممزوجا بكنز الدقائق للزيلعي الحنفي: والمطلقة الرجعية تتزين، لأن النكاح بينهما قائم والتزين للأزواج مستحب، ولأنه حامل على الرجعة، وهي مستحبة أيضا. انتهى.
وجاء في الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين متحدثا عن الزوجة الرجعية: ويلزمها طاعته، ويجوز أن تكشف له وأن ينفرد بها، وأن تتطيب له، وأن تمازحه وتضحك إليه، وأن يسافر بها، فكل ما يجوز للزوجة مع الزوج يجوز لها مع زوجها، إلا في مسائل قليلة. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية: وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ ـ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِلْحَنَابِلَةِ ـ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الاِسْتِمْتَاعُ بِالرَّجْعِيَّةِ وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَلَمْسُهَا وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا بِنِيَّةِ الْمُرَاجَعَةِ، وَكَذَلِكَ بِدُونِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّهَا فِي الْعِدَّةِ كَالزَّوْجَةِ يَمْلِكُ مُرَاجَعَتَهَا بِغَيْرِ رِضَاهَا. انتهى
وتحصل الرجعة بالقبلة أو اللمس بشهوة عند الحنفية ولو كنت لا تنوي ارتجاعا، وإذا حصلت الرجعة عادت لعصمتك كما كانت، ويباح لك منها ما يباح للزوج من زوجته من الاستمتاع والسفر وغير ذلك، ولا تحصل الرجعة عند الحنابلة إلا بالجماع، وعند الشافعية والمالكية أن الرجعية أجنبية من زوجها فلا يجوز الاستمتاع بها من تقبيل وغيره، كما لا يجوز النوم بجوارها ولا السفر معها، جاء في أسنى المطالب ممزوجا بروض الطالب لزكريا الأنصاري الشافعي: فيحرم الاستمتاع بالرجعية والنظر إليها وسائر التمتعات، لأنها مفارقة كالبائن ويعزر بوطئها إن كان عالما معتقدا تحريم الوطء ورأى الإمام ذلك، لإقدامه على معصية عنده فلا حد عليه به لاختلاف العلماء في حصول الرجعة به، لا جاهلا ولا معتقدا حله لعذره ومثله في ذلك المرأة، وكالوطء في التعزير سائر التمتعات. انتهي.
وفي شرح الخرشي لمختصر خليل المالكي: والمعنى أن الرجعية حكمها حكم الزوجة في وجوب النفقة والكسوة والموارثة بينهما وغير ذلك إلا في تحريم الاستمتاع بها قبل المراجعة بنظرة أو غيرها من رؤية شعر واختلاء بها، لأن الطلاق مضاد للنكاح الذي هو سبب للإباحة ولا بقاء للضد مع وجود ضده ولا يكلمها ولا يدخل عليها ولو كان معها من يحفظها ولا يأكل معها ولو كانت نيته رجعتها حتى يراجعها وهذا تشديد عليه، لئلا يتذاكرا ما كان فلا يرد أن الأجنبي يباح له ذلك مع الأجنبية. انتهى.
مع التنبيه على أن المالكية تحصل عندهم الرجعة بالقبلة أو الاستمتاع مع نية الارتجاع، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 126276، ورقم: 30719.
أما خروجها أثناء العدة فهو محل خلاف بين أهل العلم، فلا يجوز عند الشافعية والحنفية إلا بإذنك أو لضرورة. جاء في الإقناع للشربيني الخطيب الشافعي: أما من وجبت نفقتها من رجعية أو بائن حامل مستبرأة فلا تخرج إلا بإذن أو ضرورة كالزوجة، لأنهن مكفيات بنفقة أزواجهن. انتهى.
وفي أسني المطالب ممزوجا بروض الطالب لزكريا الأنصاري الشافعي: ولا تخرج الرجعية والمستبرأة والبائن الحامل لما ذكر إلا بإذن أو لضرورة كالزوجة، لأنهن مكفيات بنفقتهن. انتهى.
وفي بدائع الصنائع للكاساني الحنفي: وإن كانت الفرقة رجعية فلا يجوز لها الخروج بغير إذن الزوج، لأنها زوجته وله أن يأذن لها بالخروج. انتهى.
خلافا للمالكية والحنابلة، جاء في الموسوعة الفقهية: وخالف المالكية والحنابلة فقالوا بجواز خروج المطلقة الرجعية نهارا لقضاء حوائجها, وتلزم منزلها بالليل، لأنه مظنة الفساد، واستدلوا بحديث: جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: طلقت خالتي ثلاثا، فخرجت تجد نخلا لها، فلقيها رجل فنهاها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ذلك له، فقال لها: اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرا ـ وصرح المالكية بأن خروج المعتدة لقضاء حوائجها يجوز لها في الأوقات المأمونة، وذلك يختلف باختلاف البلاد والأزمنة. ففي الأمصار وسط النهار، وفي غيرها في طرفي النهار، ولكن لا تبيت إلا في مسكنها. اهـ
والله أعلم.