الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إخبار الصائم الناس بصيامه ليطلبوا منه الدعاء

السؤال

أنا مشتركة في إحدى المنتديات، ودائماً ما أرى موضوعا متكررا بصورة واضحة ومنتشرا كثيراً بين أرجاء المنتدى، فعندما تكون إحدى الأخوات صائمة تكتب موضوعا وتقول من يريد أن أدعو له فأنا صائمة، فهل يجوز هذا؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تظاهرت نصوص الشرع المطهر مرغبة في إخفاء العمل الصالح ما لم تكن هناك مصلحة راجحة تدعو لإظهاره، وذلك لأن إخفاء العمل أدعى إلى الإخلاص وأبعد عن العجب والرياء، وقد قال الله تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية { الأعراف: 55}.

وذكر ابن كثير عند تفسير هذه الآية: عن عبد الله بن الْمُبَارَكِ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فُضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَقَدْ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَمَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَقَدْ فَقُهَ الْفِقْهَ الْكَثِيرَ وَمَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاسُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ الطَّوِيلَةَ فِي بَيْتِهِ وَعِنْدَهُ الزوار وَمَا يَشْعُرُونَ بِهِ، وَلَقَدْ أَدْرَكْنَا أَقْوَامًا مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ عَمَلٍ يَقْدِرُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ فِي السِّرِّ فَيَكُونُ عَلَانِيَةً أَبَدًا، وَلَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَجْتَهِدُونَ فِي الدُّعَاءِ وَمَا يُسْمَعُ لَهُمْ صَوْتٌ إِنْ كَانَ إِلَّا هَمْسًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ـ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ عَبْدًا صَالِحًا رَضِيَ فِعْلَهُ فَقَالَ: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا. انتهى.

وإنما يحمد إظهار العمل حيث وجدت مصلحة راجحة، كأن يكون الشخص ممن يقتدى به في الخير لو أظهر عمله، قال ابن حجر في شرح حديث: ومن يراء يراء الله به ـ وفي الحديث اسْتِحْبَابُ إِخْفَاءِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لَكِنْ قَدْ يُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ عَلَى إِرَادَتِهِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَيُقَدَّرُ ذَلِك بِقدر الْحَاجة، قَالَ ابن عَبْدِ السَّلَامِ: يُسْتَثْنَى مِنِ اسْتِحْبَابِ إِخْفَاءِ الْعَمَلِ مَنْ يُظْهِرُهُ لِيُقْتَدَى بِهِ أَوْ لِيُنْتَفَعَ بِهِ كَكِتَابَةِ الْعِلْمِ. انتهى.

والذي نرى أنه لا مصلحة تدعو إلى إظهار الشخص كونه صائما للغرض المذكور، ودعاء الصائم وإن كان مظنة الإجابة ونفعه لإخوانه أمر حسن، لكن لا يتعين إخبارهم بكونه صائما طريقا لنفعهم بالدعاء لهم، فإنه لو دعا لهم بخير الدنيا والآخرة من غير أن يخبرهم بصومه حصلت المصلحتان، وكان على رجاء أن يدعو له الملك بمثل ما دعا به لإخوانه، ومن ثم فالذي نرى أن ترك الإخبار بالصوم في الحال المذكورة أولى وأنفع للقلب وأقرب إلى صلاحه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني