السؤال
فقط أريد معرفة هل يعتبر قول: (إن النبي هرب) إساءة وطعنًا، إن قصد فيها معنى الخروج من بطش الكفار، فلقد قرأت لأحدهم هذه العبارة: (وحُقّ له أن يهرب، فقد هرب النبي صلى الله عليه وآله من المشركين، وهاجر إلى المدينة، وهرب موسى -عليه السلام- من فرعون)، ولم يكن يقصد بها الإساءة، بل وصف حال، ولكن بعضهم كفّره بسبب كلمته، فهل فيها إساءة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقول الشخص: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة هاربًا ليس ذمًّا بإطلاق، بل فيه تفصيل:
فإن قصد القائل: إنه خرج هاربًا نتيجة جُبْن، وخَوَر، وفرار من تبليغ رسالة الله تعالى، ومواجهة المشركين، ونحو ذلك، فهذا كافر؛ لأنه طعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وتنقّص، وهو كفر بإجماع.
وإن كان قصد القائل: إنه خرج بإذن الله، وهربًا من أذى قومه بعد اتفاقهم على قتله، ونحو ذلك، فلا شيء عليه.
والأولى تجنب هذه اللفظة الموهمة، واستبدالها بلفظ: الهجرة.
ويدل على أنه خرج مهاجرًا بإذن الله: ما أخرجه أحمد، والترمذي، والحاكم، والضياء، وصححوه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأمر بالهجرة من مكة، وأنزل عليه: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا) [الإسراء:80]، وروى ابن إسحاق، والطبراني عن أسماء -رضي الله عنها- أن أبا بكر -رضي الله عنه- أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج قبل المدينة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي"، فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي وأمي أنت؟ قال: "نعم..."، فهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مهاجرًا بإذن الله، وأمره.
ولا يتنافى هذا مع القول بأنه خرج مطاردًا خائفًا من قومه، كما يدل عليه ما رواه البخاري أن ورقة بن نوفل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ليتني أكون فيها جذعًا، إذ يخرجك قومك، قال: "أومخرجيَّ هم؟"، قال: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا أوذي، وأخرج... وما أخرجه أحمد بسند، صححه ابن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال للأنصار: لو شئتم قلتم: "جئتنا خائفًا فآمناك، وطريدًا فآويناك، ومخذولًا فنصرناك"، فقالوا: بل المنّ علينا لله، ورسوله.
وقد تقرر في معتقد أهل السنة والجماعة أن الخوف الطبيعي من العدو، واتخاذ الأسباب الواقية من شره، لا يقدح في العقيدة، ولا ينافي التوكل.
والله أعلم.