السؤال
شيخنا الفاضل لدي شيء أشكل علي فعلا: وهو أنني في نهار رمضان أشعر بالجفاف الشديد في فمي وحلقي وجسمي عامة لدرجة أنني أجد صعوبة كبييرة في بلع ريقي ولا أستطيع النوم أبدا، بل إنني أتعب كثيرا ربما لساعات عديدة على الفراش ولا أستطيع النوم بسبب الجفاف الحاصل لي، فأضطر للمضمضة والغررة بالماء لكي أزيل هذا الجفاف، وأرطب فمي من أوله إلى آخره إلى نهاية ما تصل إليه سيطرتي بماء الغرغرة أي قبل البلع، علماً بأنني لما أفعل هذا بالغرغرة، وعندما ألفظ الماء من فمي أشعر وكأنه بقي ماء في فمي فألفظه وأبصقه مراراً، ثم عندما أبتلع ريقي أشعر وكأنه كان في فمي ماء لا أعلم هل هو من الماء الذي غرغرت فيه أو من الريق، فيصيبني الشك هنا بأني ابتلعت الماء فعلاً أو أنه الريق، والذي زادني حيرة هو أنه كان فمي جافاً وبصعوبة أبلع ريقي، ثم لما خالطه ماء الغرغرة أو المضمضة تيسر ذلك وصار فمي باردا، وسؤال آخر: هل هذا الريق أصله ماء؟ علماً بأنني أبذل قصارى جهدي للفظ وإخراج الماء، ويصيبني الشك دائماً أنني ابتلعت الماء، ولا فرق بين الماء أو الريق طبعاً هذا الكلام بعد لفظ الماء سواء في الغرغرة أو المضمضة، فأنا محتار من رطوبة فمي ووجود الريق بسبب الماء، فأجد تداخلا كبيرا وشكا من الشيطان الرجيم، فأريحوا بالي أراح الله بالكم، وهل فعلي هذا في كلا الأمرين جائز أو لا؟ وهل أنا مفطر أو صائم مع التوضيح؟ وأعتذر كل الاعتذار عن الإطالة، لكن والله بالي منشغل ومتضايق بضيق لا يعلمه إلا الله. وبارك الله فيكم وجعلكم ذخراً للإسلام والمسلمين؛ إنه سميع مجيب.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا في الفتوى رقم: 69317 كلام أهل العلم في حكم مضمضة الصائم لأجل العطش وابتلاع الريق بعدها وخلصنا في تلك الفتوى إلى قولين لأهل العلم أحدهما يرى كراهتها والآخر يرى جوازها.
وإذا لم تتحقق من ابتلاع شيء من الماء أثناء ما تقوم به من المضمضة والغرغرة فإن صومك صحيح ولا يبطل بمجرد الشك في صحته، لأن الأصل صحة الصوم فلا ينتقل عن هذا الأصل إلا بيقين، كما أن ابتلاع الريق أو رطوبة الفم بعد المضمضة وإلقاء الماء من الفم لا يبطل الصيام كما ذكر الفقهاء، ففي الفتاوى الهندية: وَلَوْ بَقِيَ بَلَلٌ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ فَابْتَلَعَهُ مع الْبُزَاقِ لم يُفْطِرْهُ. انتهى.
وفي فتاوى عليش في الفقه المالكي: قال الشيخ زروق في شرح الإرشاد: وابتلاع ماء المضمضة يوجب القضاء لا بقاياه مع الريق بعد طرحه بالكلية فإنه لا يضر. انتهى.
وفي تحفة الحبيب على شرح الخطيب في الفقه الشافعي: ولا يضر بلع ريقه أثر المضمضة وإن أمكن مجه لعسر التحرز عنه. انتهى.
وفي الموسوعة الفقهية: مِمَّا لاَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ الْبَلَل الَّذِي يَبْقَى فِي الْفَمِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ إِذَا ابْتَلَعَهُ الصَّائِمُ مَعَ الرِّيقِ، بِشَرْطِ أَنْ يَبْصُقَ بَعْدَ مَجِّ الْمَاءِ، لاِخْتِلاَطِ الْمَاءِ بِالْبُصَاقِ، فَلاَ يَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ الْمَجِّ، وَلاَ تُشْتَرَطُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْبَصْقِ، لأِنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَهُ مُجَرَّدُ بَلَلٍ وَرُطُوبَةٍ، لاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ. انتهى.
لكن الذي لا ينبغي لك فعله هو الغرغرة، لأنها مثل المبالغة في الاستنشاق المنهي عنه أثناء الصيام في الحديث خشية أن يسبق الماء إلى الحلق، والمضمضة مثل الاستنشاق في ذلك والغرغرة أشد مبالغة، فعليك أن تكف عنها أثناء الصيام إذا احتجت إلى المضمضة، ففي كشاف القناع في الفقه الحنبلي: وتكره له المبالغة في المضمضة والاستنشاق، لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما. انتهى. وانظرالفتوى رقم: 122100
أما عن السؤال الأخير: فإذا ألقي جميع ما في الفم من الماء بعد المضمضة أو الغرغرة، فما يحصل بعد ذلك في الفم يعتبر ريقا وليس له حكم الماء؛ ولذلك لا يفطر ـ كما تقدم.
والله أعلم.