السؤال
أخ مسلم ابتلي بمعصية ما فأقسم بالله وحلف به وعهده بأنه يهودي أو كافر إن عاد إليها. وبعد حلفه هذا اعتقد أنه بمجرد الحلف بملة غير الإسلام يجب صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا لكي يغفر الله له، وكان يعتقد أيضا أن فعل تلك المعصية التي حلف عليها بملة غيرالإسلام سيصبح كافراً. ففعل تلك المعصية التي كان قد حلف عليها بنية أن يصبح كافراً أي يرتدّ عن الإسلام راضيا بالكفر والعياذ بالله، ثم يرجع للإسلام من جديد أي يجدد إسلامه، وبهذ سيغفر الله له وتسقط عنه الكفارة لأن الإسلام يجبّ ما قبله. وبعد فعله لهذه الحيلة القبيحة ندم ندماً شديداً لأنه كان يعلم بأن الاحتيال على الله حرام في دين الإسلام، وأن القاعدة عند العلماء تقول إن الحيلة لا تسقط واجباً ولا تبيح محرما، ولكنه فعل تلك الحيلة القبيحة وصار كلما يتذكر هذه الفعلة الشنيعة يستغفر الله ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ولكنه بقيت تراوده شبهة بأن الله لا يتقبل إسلامه ولو تلفظ بالشهادتين حتى يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا لأنه كان يعلم بأن الاحتيال على الله حرام في دين الإسلام وأن القاعدة عند العلماء تقول إن الحيلة لا تسقط واجباً ولا تبيح محرما.
السؤال: هل يجب عليه صيام شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يقوم بكفارة ما لكي يتقبل الله إسلامه، أو تلفظه بالشهادتين تكفي لقبول إسلامه؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد خاطرهذا الرجل بنفسه فارتكب وسيلة خطيرة وهي الحلف بالكفر وهو محرم، لما في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حلف بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال... وهذا لفظ البخاري.
وقد حمل كثير من أهل العلم هذا الحديث على التهديد والمبالغة ولم يكفروا بهذا القول، وذهب الجمهور إلى أنه لا كفارة فيه، ورأى بعضهم أن عليه كفارة يمين.
قال ابن حجر في الفتح: قال ابن المنذر: اختلف فيمن قال أكفر بالله ونحو ذلك إن فعلت ثم فعل، فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار: لا كفارة عليه ولا يكون كافراً إلا إن أضمر ذلك بقلبه، وقال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق: هو يمين وعليه الكفارة، قال ابن المنذر: والأول أصح لقوله: من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله ولم يذكر كفارة زاد غيره ولذا قال من حلف بملة غير الإسلام فهو كما قال، فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه. انتهى.
فالأصل أنه لا يقع الكفر بهذا، ولكنه إن كان -كما ذكر في السؤال- فعل تلك المعصية التي كان قد حلف عليها بنية أن يصبح كافراً أي يرتدّ عن الإسلام راضيا بالكفر فإن هذا يخشى عليه من الوقوع في الكفر نعوذ بالله.
فقد قال الشوكاني في النيل عند شرح الحديث السابق: والتحقيق التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وإن قصد حقيقة التعليق فينظر، فإن كان أراد أن يكون متصفاً بذلك كفر، لأن إرادة الكفر كفر، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيها؟ الثاني هو المشهور. اهـ.
وفي المدونة أنه سئل عبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن قال الرجل: أنا كافر بالله إن فعلت كذا وكذا، أيكون هذا يمينا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يكون هذا يمينا، ولا يكون كافرا حتى يكون قلبه مضمرا على الكفر، وبئس ما صنع. اهـ
وأما صوم شهرين فلم نر من قال به فهو اعتقاد مبني على غير علم، وبناء عليه فيكفيه في الرجوع للإسلام أن يتوب ويتشهد شهادة التوحيد، فقد نص أهل العلم على أن توبة المرتد تكون بإسلامه، فإذا نطق بالشهادتين فقد دخل في الإسلام؛ إلا أن تكون ردته بسبب جحد فرض ونحوه فإن توبته حينئذ تكون بالنطق بالشهادتين مع إقراره بالمجحود به.
قال في زاد المستقنع: وتوبة المرتد وكل كافر إسلامه، بأن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ومن كفر بجحد فرض ونحوه فتوبته مع الشهادتين إقراره بالمجحود به، أو قول: أنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام. انتهى.
وإن أراد الاحتياط والتكفير بكفارة اليمين عملا بمن أوجبها فإن الواجب في كفارة اليمين أن يبدأ بواحدة من المسائل الثلاث المذكورة في قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعّامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ {المائدة:89}، فإن تبين العجز عن الإتيان بواحدة منها فيشرع له الصوم ثلاثة أيام ، لقوله تعالى: ... فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ {المائدة:89}.
والله أعلم.