السؤال
لماذا يوجد هذا الفرق بين عدد آيات القرآن الكريم؟ أليس المفترض أن لا يكون هذا الاختلاف؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الاختلاف قد وقع بين العلماء في عد آي القرآن، قَالَ الدَّانِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَزِدْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: وَمِائَتَا آيَةٍ وَأَرْبَعُ آيَاتٍ، وَقِيلَ: وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ: وَسِتٌّ وَثَلَاثُونَ. انتهى بواسطة نقل السيوطي عنه في الإتقان.
وهذا الخلاف يسير كما ترى، والمسلمون متفقون على إثبات ألفاظ القرآن لا يختلفون في أنه لا يزاد فيها ولا ينقص منها، وإنما اختلفوا في عد الآي لأجل اختلافهم في بعض الفواصل، فمنهم من عدها آية، ومنهم من لم يفعل، والخطب في هذا هين جدا ـ كما ذكرنا ـ قال مجد الدين الفيروزآبادي: اعلم أَنَّ عدد سور القرآن ـ بالاتِّفاق ـ مائة وأَربعة عشر سورة، وأَمّا عدد الآيات: فإِن صدر الأُمّة وأَئمة السّلف من العلماءِ والقراءِ كانوا ذوي عنايةٍ شديدة في باب القرآن وعِلمه، حتى لم يبق لفظ ومعنى إِلاَّ بحثوا عنه، حتى الآيات والكلمات والحروف، فإِنهم حَصَروها وعدُّوها، وبين القرّاءِ في ذلك اختلاف، لكنَّه لفظي لا حقيقي، مثال ذلك أَنَّ قرّاءَ الكوفة عدُّوا قوله: والقرآن ذِي الذكر ـ آية، والباقون لم يعدّوها آية، وقراء الكوفة عدّوا، قَالَ فالحق والحق أَقُولُ ـ آية والباقون لم يعدّوها، بل جعلوا آخر الآية: فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ، و: لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ـ وهكذا عدّ أَهل مكَّة والمدينة والكوفة والشَّام آخر الآية والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ ـ وأَهل البصرة جعلوا آخرها: وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد ـ ولا شكَّ أَنَّ ما هذا سبيله اختلاف في التَّسمية لا اختلاف في القرآن، ومن هاهنا صار عند بعضهم آيات القرآن أَكثر، وعند بعضهم أَقلّ، لا أَن بعضهم يزيد فيه، وبعضهم ينقص، فإِنَّ الزّيادة والنّقصان في القرآن كفر ونفاق، على أَنَّه غير مقدور للبشر، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. انتهى.
وأوضح الزركشي في البرهان سبب هذا الاختلاف في عد الآي فقال: وَاعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدِّ الْآيِ وَالْكَلِمِ وَالْحُرُوفِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كَانَ يَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ لِلتَّوْقِيفِ، فَإِذَا عُلِمَ مَحَلُّهَا وَصَلَ لِلتَّمَامِ فَيَحْسَبُ السَّامِعُ أَنَّهَا لَيْسَتْ فَاصِلَةً، وَأَيْضًا الْبَسْمَلَةُ نَزَلَتْ مَعَ السُّورَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ فَمَنْ قَرَأَ بِحَرْفٍ نَزَلَتْ فِيهِ عَدَّهَا، وَمَنْ قَرَأَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَعُدَّهَا. انتهى.
وفي الإتقان للسيوطي تفصيل ما اختلف في عد آيه وما اتفق عليه فانظره إن شئت، وبما ذكرناه تعلم أن الخطب في هذه المسألة يسير وأنه لا ضير البتة في وجود هذا الخلاف في العد.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني