السؤال
ماحكم مجاملة المُخالف وصاحب المنكر من باب سياسته؟ فمثلاً حينما أنصح بعض أصحاب المنكر بأسلوب لين يقول لي أنت طيب ولكن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها كذا وكذا وقد ظلمتني، فأقول له معك حق ولا تهتم بشأنهم ونحو ذلك، وقصدي من وراء ذلك استمالة قلبه ورده إلى صوابه شيئاً فشيئاً، مثل لو قلت لشخص صاحب منكرات كثيرة ويدافع عن الباطل كثيراً وهو من الأقارب الذين يصعب هجرهم نعم معك حق وأنت صح، من باب التباعد عن الدخول معه في مناقشات غير مفيدة ومن باب أخذه على قدر عقله، علماً بأنني لا أخشى أن يفهمني أحد خطأ، بل كل من في المجلس يعلم أنني أداريه ولست أوافقه في باطني.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل هو وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن إذا كان ذلك يؤدي إلى مفسدة راجحة كحصول منكر آخر أكبر من المنكر المنهي عنه فحينئذ يترك النهي عن هذا المنكر، وكذا إذا كان في تأخير الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر مصلحة راجحة كأن يؤخر إلى وقت يكون المدعو فيه أقرب إلى الاستجابة، فهذا لا حرج فيه ـ إن شاء الله ـ إذ المقصود هو انتفاعه واستصلاحه.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: تأخير إنكار المنكر قد يكون من باب استعمال الحكمة في الدعوة إلى الله، فقد يكون هذا الرجل الفاعل للمنكر لا يناسب أن ننكر عليه في هذا الوقت بالذات، لكن سأحتفظ لنفسي بحق الإنكار عليه ودعوته إلى الحق في وقت يكون أنسب، وهذا في الحقيقة طريق صحيح، فإن هذا الدين ـ كما نعلم جميعا ـ بدأ بالتدرج شيئًا فشيئًا، فأقر الناس على ما كانوا يفعلونه من أمور كانت في النهاية حرامًا من أجل المصلحة، فهذه الخمر مثلًا بين الله تعالى لعباده أن فيها إثمًا كبيرًا ومنافع للناس، وأن إثمها أكبر من نفعها، وبقي الناس عليها حتى نزلت آخر آية فيها تحرمها بتاتا، فإذا رأى إنسان من المصلحة أن لا يدعو هذا الرجل في هذا الوقت، أو في هذا المكان، ويؤخر دعوته في وقت آخر، أو في مكان آخر، لأنه يرى أن ذلك أصلح أو أنفع، فهذا لا بأس به. انتهى.
فعليك أن تلتزم هذا الضابط، فإن وجدت مصلحة راجحة لتأخير الإنكار أو خشيت حصول منكر أكبر جاز لك السكوت عن إنكار المنكر، وإنما يجوز لك ترك الإنكار في الحال المذكورة لا التكلم بالمنكر والموافقة والإقرار عليه فتنبه، وبه تعلم أن هذه المجاملات إن كانت ألفاظا يقصد بها الرفق بالمدعو واستصلاحه ولم يكن فيها إقرار له على المنكر ولم يكن المقصود منها حظوظ الدنيا العاجلة فهي حسنة، وإلا فتكون مذمومة، وراجع الفتويين رقم: 26817، ورقم: 75891.
والله أعلم.