السؤال
أصبح العديد من الفتيات عند مناقشتهن في أمر معصية ما يقلن ليست بمعصية كبيرة مثل سماع الأغاني أو الحجاب بدون غطاء وجه ويقلن أهم شيء أننا نبتعد عن الكبائر، ومثال ذلك أيضا الذهاب لعرس فيه موسيقى، علما أنني تبت من الأعراس التي بها موسيقى، ولكن لم أستطع الثبات، أنا لا أستمع للغناء ولا أشاهد المسلسلات، وهناك الكثير من المعاصي التي أجاهدها ولكن ما لم أستطع مجاهدته هو الذهاب إلى الأعراس التي بها غناء، علما بأنني أذهب وصدري غير منشرح للغناء وكارهة له، وأحيانا يكون واجبا علي الحضور كزواج الأقارب جدا أو الصديقات، علما أنني تبت وأشكر الله على نعمه ولا أحب أن أعصيه، ولكنني أواجه ضغطا اجتماعيا إن لم أحضر ويضيق صدري، وكلما رزقني الله بنعمة أتوب من معصية، استطعت أن أتوب عن كثير من المعاصي إلا حضور الأعراس المشتلمة على أغان لم أستطع الثبات، فما الحكم؟ رغم أنني ما زلت شاكرة لله على نعمه.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك للتوبة من جميع الذنوب، وعليك أن تحمدي الله تعالى على ما من به عليك من التوبة وأن تستقيمي على شرعه فإنه لا نجاة للعبد إلا بذلك، ثم اعلمي ـ أيتها الأخت الكريمة ـ أن الواجب عليك ترك حضور هذه الأعراس المشتملة على المنكرات، ولو غضب الناس من ذلك، فإنك إن أرضيت الله تعالى بسخط الناس رضي الله عنك وأرضى عنك الناس، والأمر إنما يحتاج منك إلى يسير من الشجاعة تواجهين بها من يدعوك إلى حضور مثل هذه الأعراس مبينة له أن هذا لا يرضي الله تعالى وأنك تخافين عقوبته، ولا تأمنين مكره سبحانه، مع الاجتهاد في نهي هؤلاء الناس عن المنكر، وأن تبيني لهم أن شكر نعمة الله عليهم بالزواج إنما يكون بطاعته واتباع أمره واجتناب نهيه، فكيف يرجون توفيقه ودوام نعمته وهم يستقبلون نعمه بمبارزته بالمعاصي، ولا عليك بعد هذا من لوم اللائمين، فإن الملتزم بدينه يوطن نفسه على الصبر على مثل هذا الأذى في زمن غربة الدين بين الناس، فاجعلي الله تعالى أخوف شيء عندك، ومرضاته أهم شيء لديك، وراقبيه سبحانه واستحضري سمعه وبصره واطلاعه عليك وأنه لا يخفى عليه شيء من أمرك، ساعتها سيهون عليك مخالفة الناس ابتغاء مرضاته ومثوبته سبحانه، ونحن نحذرك ونحذر سائر المسلمين من التساهل بمحقرات الذنوب والانهماك فيها بحجة أنها ليست من الكبائر، فإن الإصرار على الصغائر يصيرها كبائر ـ والعياذ بالله ـ وقد روى أحمد في مسنده وغيره من حديث عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ـ وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ، فَيَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يجيء بالعود حتى جمعوا سوادا حتى أججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها.
فالعود بمجرده لا يصلح لإنضاج الطعام، لكن لما انضم إليه غيره كفى, وكذا الذنوب قد لا يهلك الذنب الصغير منها بمفرده لكنه بانضمام غيره إليه يخشى على صاحبه من الهلاك، ثم إن العبد قد يستهين بالذنب يظنه صغيرا ويكون الأمر بخلاف ذلك، كما قال تعالى: وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ {النور:15}.
نسأل الله أن يمن علينا بتوبة نصوح.
والله أعلم.