السؤال
أحيانا ـ بل غالباً ـ يعلو صوتي على أمي، فهل يعد هذا عقوقا حتى لو لم تغضب علي وكانت راضية عني؟ لا أعرف ماذا أفعل أكون مضغوطة في فترة الامتحانات وتزيد ضغطي بكلامها، أقول لها ارحميني رحم الله والدا أعان ابنه على بره، ولكن هيهات، أتجنب الجلوس مع والديّ، لأنني أعرف أنه بمجرد جلوسي سيبدأ النقد ولن أخلص إلا بكم هائل من السيئات والعقوق، أشعر أحيانا أنني لو ابتعدت عن البيت حتى إلى بيت جدي مثلا سيكون أرحم، على الأقل أرتاح من التعليقات ومن كم السيئات الذي يزداد في ميزاني يوميا، فماذا أفعل؟ مع العلم أن والديّ راضيان عني والحمد لله ومتفوقة في دراستي بفضل الله، وأريد توضيحا هل العقوق يكون بمجرد الكلام حتى لو كانا راضيين عني ويدعوان لي دائما بالتوفيق والصلاح؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يخفى عليك أنّ حق الأم عظيم وعقوقها من أكبر الكبائر كما أن برّها من أعظم أسباب رضا الله، فعن معاوية بن جاهمة السلمي أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك فقال هل لك من أم؟ قال نعم، قال: فالزمها، فإن الجنة تحت رجليها. رواه النسائي.
فالواجب عليك التوبة مما وقع منك من رفع صوتك على أمك والحرص على مخاطبتها بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء:23ـ24}.
قال القرطبي: وقل لهما قولا كريما ـ أي لينا لطيفا مثل: يا أبتاه ويا أمّاه من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء: وقال بن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما ـ ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ.
وعليه، فرفع الصوت على الوالدين ومخاطبتهما بأسلوب غير لائق لا يجوز حتى وإن رضيا بذلك، لكن الإثم يعظم إذا تأذيا من هذا الأمر فيكون حينئذ كبيرة من الكبائر، قال الهيتمي: كَمَا يُعْلَمُ مِنْ ضَابِطِ الْعُقُوقِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا إيذَاءٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ ـ أَيْ عُرْفًا ـ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُتَأَذِّي.
ولا مانع من تقليل جلوسك مع والديك لاجتناب مغاضبتهما بشرط ألا يكون في ذلك تقصير في حقهما أو مخالفة لأمرهما وعليك مجاهدة نفسك وحملها على التأدب مع والديك واجتهدي في اجتناب الغضب، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ لَا تَغْضَبْ. رواه البخاري.
قال ابن رجب: فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر وأن التحرز منه جماع الخير.
واعلمي أنّ الأخلاق تكتسب بالتعود والتمرين، فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه. رواه الخطيب في تاريخه.
وأكثري من ذكر الله ودعائه فإنه قريب مجيب، ولمزيد من الفائدة يمكنك التواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.